من الوهم تصور أن حركة التغيير الديمقراطي التي اجتاحت البلدان العربية منذ أكثر من ثلاثة أعوام قد توقفت أو فشلت نهائيا رغم تعقيدات المرحلة وصعوبتها وتناقضاتها، وذلك لأن الأسباب التي دفعت الشعوب العربية للاحتجاج والثورة باقية كما هي حتى الآن، فالتغييرات التي حدثت حتى الآن لم تكن بمستوى طموح الشعوب ومطالبها في الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
تاريخ البشرية ليس كله انتصارات على قوى الاستبداد والتخلف والرجعية، ففي مراحل تاريخية معينة تتعرض حركة التغيير والتقدم لهزيمة أو تراجع لكنها هزيمة أو تراجع مؤقتين قد يكون سببهما عدم جاهزية الظروف الموضوعية أو الذاتية أو الاثنتين، لكن سرعان ما تنطلق حركة التغيير والتقدم مرة أخرى؛ لهذا فمن الوهم تصور أن حركة التغيير الديمقراطي التي اجتاحت البلدان العربية منذ أكثر من ثلاثة أعوام قد توقفت أو فشلت نهائيا رغم تعقيدات المرحلة وصعوبتها وتناقضاتها، وذلك لأن الأسباب التي دفعت الشعوب العربية للاحتجاج والثورة باقية كما هي حتى الآن، فالتغييرات التي حدثت حتى الآن لم تكن بمستوى طموح الشعوب ومطالبها في الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وبالرغم من التضليل الإعلامي والتشويه المُمنهج الذي تعرضت حركة التغيير الديمقراطي والتقدم وما زالت تتعرض له فإن الشعوب العربية لم تكن تطالب بهدم الدولة ككيان
ومؤسسات أو الانقلاب عليها، بل تراوحت المطالب الشعبية بين الإصلاحات السياسية والديمقراطية، كما هي حال الحركات المطلبية في دول مجلس التعاون، وبين مطالب تغيير النظام الاجتماعي-الاقتصادي القائم كما حصل في تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن.
وهنا يجب ألا ننسى الدور المُعطل لحركة التغيير الديمقراطي الذي لعبته قوى الإسلام السياسي، وبالذات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، حيث إن فشلهم في حكم مصر وممارساتهم في ما بعد تُحسب جميعها في خانة قوى الثورة المضادة لا سيما أن الجميع بات يعلم أنهم لم يساهموا في الشرارة الأولى لثورة يناير 2011، بل كانوا حينذاك يساومون نظام مبارك لكنهم ركبوا موجتها بعد أن تأكدوا من انتصارها، ثم حاولوا حرفها عن توجهها العام، وهو ما أدى إلى قيام الموجة الثورية في 30 يونيو التي أسقطت حكمهم.
وفي السياق ذاته يأتي البروز المفاجئ لتنظيم “داعش” وتمدده على الأرض بشكل سريع ومثير للاستغراب، وكذلك الحملة لإعلامية الضخمة التي رافقت تصرفاته الوحشية غير الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها. المفارقة هنا أن النفخ الإعلامي في قوة “داعش” وخطورته لم يرافقه أي دعوة حتى لو كانت ضمنيّة للقيام بإصلاحات سياسية وديمقراطية، تقضي على البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاضنة له، والجاهزة لتفريخ “دواعش” جديدة بمسميات مختلفة، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بأن “داعش” تنظيم إرهابي لكنه قد يُستخدم من قوى إقليمية ودولية في تعطيل حركة التغيير الديمقراطي مثله مثل تنظيم القاعدة الذي استخدم سابقا ولا يزال يُستخدم كلما دعت الحاجة إلى ذلك.