لو دققنا أكثر لوجدنا أن «الغزو الداخلي» الذي يعانيه مجتمعنا هو غزو منظومة الفساد وأبواقها التي عاثت ولا تزال في البلد فسادا، ونهبت الثروة الوطنية من دون حسيب أو رقيب ومن دون أن تقدم للبلد شيئا يذكر، فكيف لا يعاني مجتمعنا «غزوا داخليا» منظما من قبل قوى الفساد التي استأثرت بالثروة والنفوذ معاً؟
تعددت المصطلحات المضللة والفاشلة التي استخدمتها وتستخدمها الأنظمة العربية من أجل تشويه التحركات والاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، وإنهاء عملية احتكار السلطة والثروة التي ارتفع سقفها، أي الاحتجاجات، تدريجيا في بعض الدول العربية لتصل إلى المطالبة بإسقاط النظام، وهو ما تم فعلا في بعض الدول العربية كمصر وتونس وليبيا، وإلى حد ما في اليمن ومن المتوقع أن ينجز قريبا في سورية.
في مصر مثلا أطلق نظام حسني مبارك على الحراك الشعبي مصطلحات مضللة مثل “أعمال بلطجة وشغب” و”شوية عيال مضللين” و” قوى إسلامية إرهابية” يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين التي انتخب الشعب ممثلها في ما بعد لرئاسة مصر.
في ليبيا وصف الطاغية القذافي شعبه بأوصاف مخجلة تعبّر عن شخصيته المريضة مثل “المقملين” و”مدمني المخدرات” ثم لاحقا اتهم تنظيم “القاعدة” أو ما أسماه “الأجندة خارجية”، وهو الشيء ذاته الذي فعله نظام صالح في اليمن ونظام الاستبداد والطغيان في سورية.
أما في دولنا الخليجية فقد اُتهمت الاحتجاجات الشعبية بتهم تتراوح بين الطائفية و”الأجندة الخارجية” و”الشباب الطائش المغرر به”، لكن يبدو أن منظومة الفساد لدينا أضافت إليها “تهمة” جديدة هي ما أسمته “الغزو الداخلي”، وهو مصطلح عنصري بغيض يقصد به “أبناء القبائل” نتيجة لدورهم الإيجابي في الحراك الشعبي ضد الفساد.
كما أشارت إلى ذلك بعض الكتابات الصحافية لبعض المرتزقة الذين يعانون عقداً نفسية عميقة أو تصريحات أبواق الفساد من أجل إشغال الناس في صراعات فئوية جانبية، وصرف أنظارهم عن قضاياهم المشتركة رغم أننا لو دققنا أكثر لوجدنا أن “الغزو الداخلي” الذي يعانيه مجتمعنا هو غزو منظومة الفساد وأبواقها التي عاثت ولا تزال في البلد فسادا، ونهبت الثروة الوطنية من دون حسيب أو رقيب ومن دون أن تقدم للبلد شيئا يذكر.
إنه من المعروف أن الغزو يستهدف بسط النفوذ من أجل الاستئثار بالثروة، فكيف لا يعاني مجتمعنا “غزوا داخليا” منظما من قبل قوى الفساد التي استأثرت بالثروة والنفوذ معاً بينما المواطنون ذوو الدخول المتوسطة أو المحدودة بغض النظر عن أصولهم أو مذاهبهم ينتظرون السكن قرابة عقدين من الزمن، ويعانون المرض لمدة شهور كي يحصلوا على موعد فحص طبي، ويقف أبناؤهم في طوابير البطالة شهورا طويلة كي يحصلوا على فرصة وظيفية، بل بعض المواطنين لا يجد سريرا في مستشفى أو مقعدا في الجامعة ونحن في دولة نفطية ثرية جدا تقدر ميزانيتها بمليارات الدنانير؟!