
لم توافق محكمة النقض في أبوظبي أن يدفع الشبان الثلاثة ذلك المبلغ الضخم الذي قال والدهم إنهم مدينون له به مقابل مسكنهم ونفقاتهم على مدى عشر سنوات، فهم لم يكونوا خلال تلك السنوات قد حصلوا على عمل، ومعظمهم كان على مقعد الدراسة، حتى إن إقاماتهم في الدولة كانت تحمل حتى أشهر قليلة جملة غير مصرح له بالعمل داخل الدولة، كما أنهم بدؤوا مؤخراً حياتهم العملية، فكيف يمكن لهم أن يدفعوا أكثر من نصف مليون درهم يطالبهم بها والدهم ومجموع رواتبهم لا يتجاوز تسعة آلاف درهم.
وقف الأب أمام المحكمة يدعي على أبنائه بالجحود والعقوق وعدم تحمل المسؤولية، وبأنهم يتركونه ينفق على المنزل وهو رجل كبير بينما يعيشون معه دون أن يدفعوا أي مبلغ مع أنهم يعملون ولديهم وظائف ويمتلكون السيارات.
ورد الأبناء على أبيهم متسائلين عن سبب كراهيته لهم ولأمهم، وأوضح الشبان الثلاثة للمحكمة أن والدهم ومنذ سنوات طويلة لا ينفق عليهم، وقد كان لهم شقيق أكبر تحمل مسؤولية العائلة منذ حداثة سنه بعد أن تخلى والدهم عن الانفاق عليهم وهجر والدتهم، وجاء الشبان بأوراق ومستندات تبين أن المسكن الذي يعيشون به مستأجر من قبل شقيقهم الأكبر..
وكذلك التحويلات التي كانت تذهب إلى مدارسهم، جميعها كانت تثبت بأن شقيقهم الأكبر هو من كان ينفق عليهم في صغرهم، ولكن عمره القصير لم يمكنه من استكمال مشوار أشقائه وتوفاه الله منذ عشر سنوات وهو لا يزال في ريعان شبابه، تاركاً أشقاءه وليس فيهم من يملك دخلاً يستطيع من خلاله أن يأخذ بزمام المسؤولية..
فتراكمت عليهم الديون من إيجار منزل وفواتير كهرباء وأقساط مدرسية لأشقائهم الأصغر سناً، حتى صدر مؤخراً حكم بإخلائهم من المنزل الذي يسكنون به باعتبارهم ورثة المستأجر، وإلزامهم بدفع قيمة الإيجار المتأخرة لمدة عشر سنوات والتي تبلغ 24 ألف درهم سنوياً لم يسدد منها الأب سوى 60 ألف درهم، كما تضمن الحكم إلزامهم بدفع ما تأخر عليهم من فواتير استهلاك الماء والكهرباء.
لم ينكر الشبان أنهم اتفقوا مع والدهم منذ سنوات على تسديد 70% من نفقات المنزل، ولكنهم قالوا إنهم كانوا مجبرين على توقيع ذلك الاتفاق، فعندما توفي شقيقهم كان يريد طردهم وأمهم من المنزل، وقد اعتبر أن هذا المنزل هو ميراث من ابنه المتوفى، وله فيه نصيب الثلث وفق الشرع، لذلك فهو سيدفع ثلث ايجاره وفواتيره ومصاريف الطعام والشراب، وعليهم هم أن يدفعوا ما يترتب عليهم وعلى أشقائهم الصغار وأمهم، أو يتركوا المنزل جميعاً، فلم يكن أمامهم إلا الموافقة والتوقيع أمام التوجيه الأسري على هذا الاتفاق حتى لا يرموا في الشارع.
وأكد الشبان أنهم في ذلك الوقت، وبسبب صغر سنهم وعدم حصولهم على شهادات دراسية لم يستطيعوا العثور على عمل، بينما كان والدهم يعمل وله دخل، كما أنه كان كثير السفر لا يأتي إليهم إلا لماماً، وقد استخدم المنزل في تخزين بضائع كان يستوردها من موطنهم الأم للتجارة، مؤكدين أنه يملك في بلدهم الكثير من الأملاك التي تقدر بملايين الدراهم..
وفي نفس الوقت لا ينفق عليهم ولا على أشقائهم الصغار، مشيرين إلى أنهم حالياً من ينفق على هؤلاء الأطفال الثلاثة، وقدم الشبان أوراقا أرسلتها مدارس أشقائهم للمطالبة بالرسوم المدرسية، وأوراقا أخرى للاعفاء في سنوات سابقة، وإنذارا بعدم قبول الأطفال في المدارس للسنة التالية. وقضت محكمة الاستئناف بإلزام الشبان بدفع 200 ألف درهم نصيبهم من إيجار المنزل وفواتير استهلاك الماء والكهرباء، ورفضت إلزامهم بنصيبهم من مصاريف المأكل والمشرب لعدم وجود مستندات تثبتها.
ولم يلق هذا الحكم القبول لدى محكمة النقض التي اعتبرت أن محكمة الاستئناف لم تأخذ في الاعتبار حداثة سن الأبناء وأن إقاماتهم في الدولة كانت على أبيهم كما أشارت إلى أن الاتفاق الموقع بين الطرفين لم يوثق أصولاً، إضافة إلى أن شهادات الراتب التي قدمها الأب تؤكد أن الشبان التحقوا بأعمالهم حديثاً، وبناء عليه أعادت القضية إلى محكمة الاستئناف.
المصدر: صحيفة البيان الإماراتية