محمود درويش يترنم: «أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي»، ونحن نترنم بالحنين إلى أيام الجهل، إلى أيام كنا نعتقد فيها بأن الحكام العرب كانوا يكافحون لتحرير فلسطين، ويقاتلون قوى الظلام العظمى، بقيادة أميركا (ليست أميركا)، وسينتصرون عليها يوماً لا شك.
الآن نترنم بالحنين إلى أيام كانت فيها قلوبنا تخفق مع قرب انعقاد كل قمة عربية، ونظن أن قلوب الصهاينة كانت تسقط بين أرجلهم، أو في بطونهم على أقل تقدير، لشدة الرعب.
اليوم نترنم بالحنين إلى وقتٍ كنا نعشق فيه نجوم كرة القدم في الثمانينات، ونراهم كلهم كباراً، ونفوسهم سامية، وقلوبهم ناصعة النقاء.. وكنا ننظر إلى بعض فناني جيل الثمانينات النظرة ذاتها.
كبرنا وعرفنا أنه «من دون صهيون بذّتنا صهاينّا»، كما قال خلف بن هذال، وعرفنا أن صهاينتنا العربان يُخجلون الصهاينة اليهود لشدة دفاعهم عنهم ومحاربة أعدائهم، وأن المقاومة الفلسطينية هي العدو الأول في حسابات بعض هؤلاء الحكام، والجيش الصهيوني حليفهم، وأميركا «أم الجميع».
انتصفت أعمارنا فعرفنا أن اجتماعات القمة العربية وبالٌ وشرٌ مستطير، إن لم تخنق حريات الشعوب العربية، ولم يتعارك فيها «زعيمان عربيان»، فهي في أفضل الأحوال ستلتهم ميزانية الشعب المضيف لفرط البهرجة، والطائرات الخاصة، والفنادق الفاخرة، والسيارات الفارهة، والسجاد الباهظ الثمن، والوفود المرافقة ومصروفاتها اليومية المقتطعة من أموال شعوبها، والحملات الإعلامية التي تتحدث عن عظمة السراب وتتغنى بغزارة مائه، و.. و.. و..
كبرنا واقتربنا من الميدان لتتضح لنا الرؤية، فشاهدنا ما لا يسر من بعض نجوم الكرة والفن؛ شاهدنا بعضهم يحمل لساناً يقطر عنصرية، وبعضهم يطعن في وطنية بني شعبه، وبعضهم وبعضهم وبعضهم، فاهتزت الصورة في بروازها، وتبين لنا أن منظارنا القديم كان «يكبّر الصورة أكثر من اللازم».
ليتنا لم نكبر يا محمود، ليت حنيننا توقف عند خبز أمهاتنا وقهواتهن.. آآآآخ يا محمود، كم أنت محظوظ رغم كل المصائب التي أحاطت بك، لكنك على الأقل متّ قبل أن تتضح الصورة بهذه الدرجة.. رحمك الله.