أشارت تقارير عدة خلال الفترة القليلة الماضية إلى تراجع جاذبية موقع «فيس بوك»، خصوصاً بالنسبة للمراهقين والشباب.
من جانبها، دأبت شركة «فيس بوك» على التشكيك في مثل هذه التحليلات، والتأكيد على مكانتها في مواجهة الخدمات والمواقع الجديدة، في مقدمتها تطبيقات التراسل الفوري للهواتف المحمولة.
والشهر الماضي فقط، وضمن استعراض النتائج المالية للشركة خلال الربع الثالث من العام الجاري، أقر المدير المالي لشركة «فيس بوك»، ديفيد إيبرسمان، بـ«ملاحظة تراجع عدد المستخدمين اليوميين، خصوصاً من المراهقين».
وعلى الأرجح يمثل معظم هؤلاء مراهقين في الولايات المتحدة، تراوح أعمارهم بين الـ13 والـ14، وعلى الرغم من عدم إقبالهم على حذف حساباتهم في «فيس بوك»، فإنهم صاروا يستخدمونها بمعدل أقل.
وأكد تعليق إيبرسمان الشكوك الكثيرة حول أن «فيس بوك»، ومع تجاوز عدد مستخدميه 1.1 مليار شخص، تتراجع قدرته على جذب أشخاص جدد والاحتفاظ بمستخدميه الحاليين في مستوى نشاطهم السابق في الموقع، أو على الأقل هذا ما يراه بعض منهم.
وتتنوع تفسيرات ذلك بين من يرجعها إلى تنوع الخيارات ودخول لاعبين جُدد أكثر شباباً، مثل تطبيقات التراسل الفوري، التي تتيح مساحة أكثر خصوصية للدردشة مع الأصدقاء وتبادل الصور، كما أنها تعمل على الهواتف الذكية التي تتصاعد شعبيتها باستمرار، وبين من يُرجح أن انضمام الأجيال الأكبر سناً إلى «فيس بوك» أسهم في ابتعاد المراهقين أو بعضهم عن الموقع.
وأرجع المتخصص في علم الاجتماع، والمهتم بدراسة الإنترنت، ناثان جيرغنسن، انحسار إقبال المراهقين على «فيس بوك» إلى اختلاف وظيفته، ونظرة المستخدمين إليه عما كان الحال عليه خلال سنواته الأولى.
واعتبر جيرغنسن، الذي يعمل حالياً باحثاً لدى شركة «سناب شات»، التي تمتلك تطبيق التراسل الفوري، أن «الشبكات الاجتماعية تحولت إلى ساحة يمارس فيها الشخص التأنق والاستعراض ويتحقق من قيام الآخرين بالأمر نفسه، وهو ما جعل منها مكاناً (نظيفاً للغاية ومراقباً بعناية) لا يُلائم رغبة الشباب الصغار في أن يستمتعوا بوقتهم، وأن يكونوا ما هم عليه بالفعل».
وتابع أن «مواقع الإعلام الاجتماعي تحولت إلى شكل شبيه بكتاب العام لتوثيق الأحداث أو دليل الصفحات الصفراء، الذي يعرض لمختلف النشاطات، ويعتبرها المستخدمون مجرد دليل على وجود الشخص، وهو ما يُفسر جزئياً الشعبية الكبيرة التي تنالها خدمات مثل (سناب شات)، و(تمبلر)، و(بنترست)، و(تويتر)».
ويقترب هذا الرأي من وجهة نظر مدير مختبر «أبحاث تأثيرات وسائط الإعلام» في جامعة ولاية بنسلفانيا، شيام ساندر، الذي يرى أن «فيس بوك» تحول إلى أداة تشبه حامل الهاتف، يستخدمها الأشخاص لتوثيق الأحداث الرئيسة في حياتهم، وتتبع أخبار الآخرين.
وأضاف أنه «على الرغم من استيعاب (فيس بوك) لأجيالٍ متتالية، بحيث يمكن لكل شخص أن يجد بغيته في الموقع، لم يعد بالضرورة المكان الذي يود المستخدمون زيارته بشكل متكرر».
وإلى جانب ذلك، أسهم مرور سنوات عدة على بداية الشبكات الاجتماعية في توعية كثيرين بآثارها على المديين القريب والبعيد، وتراجعت النظرة إليها كنشاط شخصي على الإنترنت بهدف التسلية، وتزايد قلق الجمهور من التأثيرات طويلة الأمد لما ينشرونه ويشاركونه في «فيس بوك» وغيرها من مواقع الإعلام الاجتماعي، كعواقبها على العلاقات الشخصية، وأيضاً في مجال العمل والحصول على وظائف، واتضح خلال الشهور الأخيرة كيف يمكن لتصرفات عادية ومضحكة لا يُرى منها ظاهرياً أي ضرر أن تؤدي إلى تبعات خطيرة في العالم الحقيقي، ويمثل الشباب الفئة الأكثر تضرراً منها.
وأسهمت كل هذه الأسباب وغيرها في تمهيد الساحة لازدهار خدمات التراسل الفوري بين الشباب في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم، فلم تعد تمثل تهديداً لشركات الاتصالات فحسب، بل تُهدد أيضاً مكانة الشبكات الاجتماعية، واتجه إليها المراهقون كوسيلة للتحدث بحرية مع أصدقائهم المقربين بعيداً عن وجود الوالدين والأقارب ودائرة أوسع من الأصدقاء في «فيس بوك». ومن أهم التطبيقات «واتس آب» الذي تجاوز عدد مستخدميه النشطين شهرياً موقع «تويتر» مثلاً، ويعالج ما يزيد على 10 مليارات رسالة كل يوم، إلى جانب «لاين»، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في اليابان، وفي كوريا الجنوبية تطبيق «كاكاو توك»، الذي يوفر إضافة إلى خدمة الرسائل، ألعاباً عدة يمكن استخدامها فردياً وجماعياً، و«وي شات» في الصين.
ويُضاف إلى القائمة تطبيق «سناب شات»، الذي يتيح لمستخدميه التحكم في مدة بقاء الصور والفيديو التي يرسلونها، فتُحذف بعد ثوانٍ قليلة من هاتف المرسل والمستقبل، وقد كثر الحديث حوله أخيراً، نظراً لعروض الاستحواذ الضخمة التي تلقاها ورفضتها الشركة التي تأسست قبل نحو ثلاثة أعوام؛ مثل عرض «فيس بوك» مقابل ثلاثة مليارات دولار، وعرض «غوغل» مقابل أربعة مليارات دولار.
ونقل المقال عن ساندر وصفه لمثل هذه الخدمات بأنها «الإعلام الاجتماعي الصغير»، وأشار إلى تلبيتها واحدة من رغبات المراهقين، وهي البقاء على اتصال مستمر، وقال: «هذا أحد مظاهر المراهقين؛ إنهم يحبون الدردشة مع أصدقائهم، ويستخدمون هواتفهم بشكل دائم».
ويُثير تراجع «فيس بوك» مع السرعة الفائقة التي تتطور بها مواقع الإعلام الاجتماعي التساؤلات حول مستقبل الموقع، وما إذا كان شهد أفضل أيامه ووصل إلى ذروة نجاحه، وتالياً بدأ يسلك طريقه نحو الهبوط.
من جانبها، تؤكد شركة «فيس بوك» مراراً على عملها على تطوير منتجات جديدة تجذب فئات واهتمامات متنوعة، وإضافة إلى التطوير، تدرس الشركة باستمرار السوق لتعزز عدتها لجذب المستخدمين.
ويتردد تساؤل أولي حول مدى استحقاق تراجع إقبال المراهقين على موقع «فيس بوك» لهذا القدر من الاهتمام، ففي الواقع يُقبل مستخدمون جدد على التسجيل في الموقع، ولايزال يمثل الخيار الأول لملايين الأشخاص عند الحديث عن الشبكات الاجتماعية، كما يتمتع بأهمية كبيرة في عدد من الأسواق الناشئة.
ومن الناحية الاقتصادية، تمكنت «تويتر» من تحقيق مكانة كبيرة من دون التركيز على المراهقين، وارتفعت أسهمها بعد أيام من طرحها للاكتتاب العام، ووصل حجم رأسمالها إلى نحو 25 مليار دولار تقريباً.
لكن الواقع أن تراجع استخدام المراهقين للموقع قد يعني بالتبعية تراجع إنفاق المعلنين عن منتجات تستهدف الشباب والمراهقين، وإذا ترسخ غياب المراهقين عن «فيس بوك» فمن المحتمل أن تقتدي بهم فئات أخرى من المستخدمين، بما يُؤثر في قدرة الموقع على تحقيق عائدات مالية كبيرة نظير الإعلانات.
من جانبه، اعتبر ساندر أن «فيس بوك» يمكنه الاستمرار بشكل جيد من دون المراهقين، لكن الحقيقة أن المراهقين يمثلون غالباً الفئة الأولى التي تتبنى موقعاً أو خدمة جديدة. وقال: «قد يكمن الخطر الحقيقي على (فيس بوك) في الشركات التي يذهبون إليها».