عبدالله النيباري ـ قرار المحكمة مفصلي وتاريخي

نعم قرار المحكمة الدستورية في امر مرسوم الصوت الواحد في هذه المرحلة مفصلي وتاريخي، اذا ابطلت المحكمة الدستورية مرسوم الصوت الواحد، فسوف يؤدي ذلك الى شيء من الانفراج وتنفيس الاحتقان وتجاوز الاستقطاب. لا يعني ذلك اننا سننتقل الى ممارسة ديموقراطية كاملة الدسم، لكنه يعيد التنافس والصراع السياسي الى اطاره الطبيعي في كنف الدستور وداخل المؤسسة الدستورية.

فيما الابقاء على مرسوم الصوت الواحد سيؤدي الى الانسداد السياسي، وانتقال الصراع الى خارج المؤسسات الدستورية.

لا احد يستطيع التنبؤ في اي اتجاه سيكون قرار المحكمة الدستورية، فذلك مازال في فكر وضمير اعضاء المحكمة وافئدتهم.

ولكن يمكن ترجيح الاتجاه الى الغاء المرسوم، بناء على استظهار الاسانيد والحجج القانونية والدستورية التي اذا اعتبرناها معايير للقياس، فذلك يقود الى ترجيح الاتجاه الى ابطال مرسوم الصوت الواحد، فترجيح قرار المحكمة للنظر في الطعن من حيث الشكل وتأكيد اختصاصها في ذلك يدعمه آراء الفقهاء الدستوريين والباحثين، ومنهم د. عثمان عبد الملك، ود. عادل الطبطبائي، ود. محمد الفيلي، الى جانب الفقه الدستوري في مصر، وعلى الاخص حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية.

وفوق كل ذلك ما جاء في حكم المحكمة الدستورية الكويتية نفسها في شأن الطعن المقدم من الحكومة في قانون 42 لسنة 2006 الذي جاء فيه ان الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة تقف عند التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لاحكام الدستور، وهي رقابة طبيعية قانونية لا جدال فيها، فلا يسوغ القول بان التشريع الذي تراقبه المحكمة يعتبر عملا سياسيا… اذ ان من شأن ذلك ان يفرغ رقابة المحكمة الدستورية من مضمونها، بل يجردها من كل معنى ويفضي الى عدم خضوع اي عمل تشريعي لرقابة الدستورية والمحكمة كجهة رقابة على الشرعية الدستورية لا تتخلى عن مسؤوليتها التي اولاها اياها الدستور، باعتبارها الحارسة على احكامه. ومفاد ذلك ان لا شأن للمحكمة في بحث مدى ملاءمة التشريع، وما ظهر فيه من هذا من حيث الشكل، واما عن قصور ومثالب، حيث الموضوع، فان الاسباب التي جاءت في المذكرة الايضاحية للمرسوم هي الاسباب نفسها التي جاءت في طعن الحكومة في قانون 42 لسنة 2006 خمس دوائر باربعة اصوات.

اما من حيث الموضوع في شأن تقدير حالة الضرورة، فما هو متفق عليه في الفقه الدستوري ان سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في البرلمان المنتخب، والرخصة التي منحها الدستور للسلطة التنفيذية برئاسة الامير باصدار قرارات لها قوة القانون، اذا حدث في غياب مجلس الامة ما يوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأجيل، لمواجهة حالة الضرورة التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها، بل تمتد إليها رقابة المحكمة الدستورية للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، لضمان ألا تتحول هذه الرخصة، وهي ذات طبيعة استثنائية الى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا حدود لها، ولا قيد عليها. وعند النظر في أمر المرسوم نجد ان البواعث لاصداره كما جاء في المذكرة الإيضاحية هي لمعالجة القصور في النظام الانتخابي وتلافي ما شابه من مثالب وسلبيات والإخلال بالتوازن.

وهي الأسباب نفسها التي استند إليها طعن الحكومة في قانون 42 لسنة 2006 الذي رفضته المحكمة، وسببت رفضها لهذه البواعث بان المحكمة «لا شأن لها في بحث ملاءمة هذه النصوص، ولا ما ظهر فيها من قصور ومثالب من جراء تطبيقها، ولا بالادعاء بان تلك النصوص لم تؤت أُكلها وتحقق غاياتها، فهذه أمور قد يُستدعى النظر في تعديلها اذا كانت غير وافية بالمرام بالطريقة المقررة طبقا للدستور».

والطريقة المقررة في الدستور هي تقديم مشروع قانون لإقراره من مجلس الأمة، وبذلك فان القواعد والمعايير التي ستأخذها المحكمة بالاعتبار هي غاية في الوضوح في حكمها المشار إليه برفض طعن الحكومة في قانون الخمس دوائر وأربعة أصوات. أي ان القصور والسلبيات والمثالب التي ترى فيها الحكومة مبررا لمعالجة سلبيات القانون لا تبرر حالة الضرورة الموجبة لاتخاذ تدابير لا تحتمل التأجيل، وبالإضافة الى كل ما تقدم، فهنالك قاعدة دستورية لا تجيز تعديل قانون الانتخابات بمرسوم، فإذا كانت السلطة التنفيذية قد حلت المجلس بسبب خلافات معه، ثم شرعت بتعديل قانون الانتخاب، فكأنها بذلك ترسم الطريق لضمان وصول أعضاء جدد يؤيدونها في موقفها من المجلس المنحل، وبذلك تهدر فكرة تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين (د. عادل الطبطبائي) وموافقة المجلس الذي يأتي عبر هذا الطريق لا يطهر المرسوم المطعون فيه من العوار الدستوري الذي لازم صدوره. (المصدر نفسه).

بناء على ما تقدم فإذا ما أخذت المحكمة بهذه الاعتبارات والمعايير، ومنها ما جاء في حكمها برفض طعن الحكومة في القانون 42 لسنة 2006، فأكثر الاحتمالات ترجيحا هي إبطال مرسوم الصوت الواحد.