يبدو أن قدر الكويت، هو مراكمة الأزمات، فهي بدلاً من حلّ أزمات غارقة فيها، تمضي في دخول أزمات جديدة، لتضاعف رصيد الأزمات المتراكمة.
لكن الأزمة الأخيرة، والتي مازالت مشتعلة، هي أزمة وزير النفط الفاضل علي العمير، مع المؤسسات الموكل إليها إدارة القطاع.
الدكتور علي العمير رجل فاضل ودود وبشوش وهادئ ومتواضع، ولكن المسألة التي نحن بصددها لا تتعلق بصفاته الشخصية، بل بأدائه في إدارة القطاع، حيث للأسف الشديد لم يحالفه التوفيق، بل إن تصرّفاته وتعامله مع القطاع قد ينطبق عليها وصف “الكارثي”، ويمكن أن تصنَّف على أنها انحراف بالسلطة، واستخدامها لأغراض سياسية وشخصية، تحت ذريعة أن مجلس إدارة المؤسسة غير متعاون معه، وبفهم خاطئ أن الوزير له صلاحيات تكاد تكون مطلقة في إدارة القطاع، بسلطة فردية، وهو ما يُخالف كل أصول الإدارة… فحتى الشركات الصغيرة لها مجلس إدارة يكون له رأي في شؤونها.
سيطرة مطلقة
الوزير العمير، وفق ما تواتر من معلومات، كان يريد تركيز إدارة قطاع النفط، وهو المصدر الأساسي لاقتصاد الكويت، في يده، هو فقط، بحجة أن الوزير يملك كل الصلاحيات، والحقيقة أن قطاع النفط واجه معاناة إساءة تصرف الوزراء السابقين، لكن الوزير العمير، بدلاً من أن يصححها ويصوبها، زاد الطين بلة.
فقد بدأ بتقليص صلاحيات العضو المنتدب والمسؤولين في الشركات التابعة للقطاع، بإصدار تعميم إداري في 2014/3/18، بألا يصدر أي قرار إداري بنقل أو تدوير الموظفين، أو حتى إيفادهم في مهام خارجية، من دون الرجوع إليه، كما طالب بنقل الإشراف على المستشفى التابع لإدارة شركة نفط الكويت، ونقل إدارته إلى الوزارة، لتكون تحت إشرافه شخصياً، بما في ذلك قرارات العلاج في الخارج (وهي بيت القصيد).
مثل هذه القرارات، تعد معطلة لإدارة قطاع تخضع له 10 شركات، يعمل بها أكثر من 30 ألف مشتغل، بين منتسبي القطاع وموظفي المقاولين.
تمديد وتجديد
وبعد انتهاء مدة عضوية الشركات التابعة للقطاع، وعددها 10، وبعد أن حان موعد التجديد لأعضاء مجالس إداراتها في 2014/7/31، رُفِعت إليه قوائم بأسماء المرشحين، لاعتمادها، فرفض ذلك، طالباً مهلة للتفكير في الأمر، ما استدعى التمديد المؤقت إلى 2015/1/31.
مضت المدة، والوزير يقول إنه مازال غير مقتنع بالترشيحات، ما استدعى تمديداً ثانياً حتى نهاية السنة المالية 2015/3/31، ثم فاجأ مجلس إدارة المؤسسة، بترشيح قائمة بمجموعة من القياديين في الشركات، يبلغ عددهم نحو 43 شخصاً، طالباً اعتمادهم، وحينما طلب مجلس الإدارة إعطاءه فرصة، لدراسة سيرة المرشحين الذاتية، والتأكد من كفاءتهم ومؤهلاتهم، ماطل الوزير ورفض، مصرّاً على اعتمادهم، وبعد لأيٍ وافق، إلا أنه رفض التمديد للمجالس القائمة، إلى حين التوصل إلى اتفاق بشأن الأسماء المقترحة.
وقد تبيَّن من فحص سجلات مرشحي الوزير، أن معظمهم لا تتوافر لديه المؤهلات التي تتطلبها معايير تسلم المناصب القيادية المقترح شغلها، فمن بين قائمة الوزير 23 من خارج القطاع، كما أن المرشحين من داخله لا تتوافر فيهم المعايير المهنية، فغالبية عناصر مرشحي الوزير تنطبق عليهم الموالاة السياسية والانتخابية… إما أنهم من جماعة الوزير السياسية، وإما أنهم من مفاتيح وناخبي دائرته.
هذه الأزمة التي افتعلها الوزير استدعت تدخل السلطات العليا، إلا أن الطامة الكبرى تتمثل بأن الوزير حصل على موافقة مجلس الوزراء على قائمة مرشحيه، وتبيَّن من اقتراحات الوزير، أنها تشمل تغيير عدد كبير من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، لإعطائه أغلبية تصويتية في المجلس، وتم تحرير موافقة مجلس الوزراء لاستصدار مرسوم أميري بشأنها… وعند مقابلة أعضاء المجلس للسلطات العليا، اتضح أن هناك لبساً في ما إذا كان التغيير في مجلس الإدارة يقتصر على إضافة ثلاثة أسماء، ليرتفع العدد من 9 إلى 12، أم أن التغيير يشمل جميع أعضاء مجلس الإدارة، ما أدَّى إلى إيقاف مسودة المرسوم الذي يحمل طلبات الوزير.
نهاية المطاف، إن القطاع النفطي يتعرَّض لعبث استغلاله، لأغراض سياسية وانتخابية، وربما أكثر من ذلك.
إقالة الوزير
ما جاء في أعلاه، هو حديث الدواوين طوال الأسبوعين الماضيين، فما هي هذه الدولة التي يتجرأ فيها وزير بطلب السماح له بالعبث
بأهم قطاع في الدولة؟!
في البلاد التي تُحترم فيها النظم، من دساتير وقوانين ومعايير وقيم، فإن أي خدش، وليس خرقاً أو تمزيقاً، تكون نتيجته إقالة الوزير، وربما محاسبته، قانونياً… وهذا ما حدث مع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك حينما اتُّهم بتوظيف أفراد من حزبه، وهذا ما حصل أيضاً لوزير داخلية بريطانيا، عندما اضطر إلى الاستقالة، لأنه سأل فقط عن إتمام إجراءات مساعدة في منزله.
في ضوء كل ذلك، الأكرم للسيد الوزير أن يستقيل بطيب خاطر أو يُقال، فاستغلال مصالح الدولة ومؤسساتها، لأغراض محاباة الأعوان والمحازبين ومصالح شخصية، يعد من أكبر الآثام السياسية في حق الدولة.
رحم الله سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح، عندما خلع نعاله، ولحق ببعض المخالفين لضربهم، تعبيراً عن غضبه وانزعاجه لإثم يعادل أقل من واحد في المئة مما يجري الآن.