بقوة إيمانه: عبادةً وتعاملاً، وخدمة للدين، وعناية خاصة بالحرمين، ودفاعاً عن الإسلام، وبيان محاسنه، وتأمين احتياجات المسلمين في كل مكان، وبفروسيته العربية: نجدةً وشهامةً، وإنصافاً وعزيمة، وإقداماً وجوداً، ووطنيته العالية: شعوراً وعملاً، وتنمية وعطاء، وتضحية وبناء، ومراعاة للأولويات، وتوفير كافة الحاجات: المادية والمعنوية، والصحية والنفسية، والترفيهية.
وبحسه الإنساني: رحمة وعطفاً، ورفداً ومواساة، ومبادرة واستجابة، وبحكمته ووعيه، وبصيرته وفطنته، وفكره الناهض، وبعد نظره، ونبل محتده، وطهر نشأته، ومواهبه النوعية، وقدراته الذاتية، وتجربته الطويلة، وخبرته الغنية، وسهره ومتابعاته: تكونت بهذه الخصال والصفات، وغيرها الذاتية والمكتسبة رؤية المليك المفدى عبدالله بن عبدالعزيز بعمق لكُنه الأشياء إلى أن بلغت تميزاً أعدم الخسران، وفرزاً أدرك ماهية التلاقي الزمني من خلال تفعيل غير المنتهية صلاحيته مما كان بما هو كائن، فحضرت والحالة هذه: ملامح ما سيكون بقراءة استشرافية واعية مكنته من اختيار كل ما هو فاعل، وبالتالي: استثمره برؤية خلاقة، وإبداع بوطنه دون استثناء.
إنه منذ توليه رئاسة الحرس الوطني الذي إلى جانب: رفعه قدراته العسكرية كمّاً وكيفاً بنوعية عناصره، وتعليمهم وتوعيتهم، وتدريبهم وابتعاثهم، وفي التسليح، والتأهيل النفسي، وتوفيره لكافة منسوبيه المدنيين والعسكريين المناخات المشجعة من سكن واستشفاء، وخدمات وترفيه، ونشاطات ثقافية، واجتماعية ورياضية.
وبحسب نوع العمل، ومستوى الأداء، والسلوك والالتزام، ومدة الخدمة تتقرر: الترفيعات والحوافز، ويكرم المتفوقون والمبدعون، فتكاملت بذلك وضعيته كمؤسسة عسكرية فواعلها: إنسانية عملية، وتقنية خدمية، وتعيلمية تدريبية، وفنية إدارية، فصارت الاستعدادات دائمة لا تشاب بالتراخي، والقدرات القتالية في أعلى مستوياتها لصد العدوان، وليس الاعتداء.
إلى جانب ما سلف، فقد بلغ ما حققه: خادم الحرمين الشريفين بالحرس الوطني: درجة حضارية متماسكة ليست قابلة للضعف، أو التفكك بالولاء، والانضباط والطاعة، والقوة، وزاد على ذلك في أن جعل منه: مرجعية حضارية، وقلعة علمية يقل نظيرها، ومدينة طبية شاملة لكل أبناء الوطن، وغيرهم علاجاً لا يتوفر إلا في أمكنة محددة، وعناية فائقة، وتعليماً عالياً.
لقد جعل منه: مصدر إشعاع فكري عمّ الوطن، وتعداه إلى الشقيق والصديق، وحتى المختلف، فاستوعب: معنى القبول والاختلاف، وأخذ بهضم الوافد، وتعزيز الأصيل، وضرورة التأثر والتأثير، فتلونت حياتنا الثقافية بالتفاعل والتنوع، واغتنت بمختلف المعطيات، ورحبت ساحة الإبداع.
إن استحضار: مهرجان الثقافة والتراث (الجنادرية) المنقضي بالراهن جاء براً بالأجداد والآباء، وحرصاً على مكانتهم وتقديراً لجهودهم، واعترافاً بفضلهم، وتعريفاً في أنساق حياتهم: الاقتصادية، والثقافية والاجتماعية، ومكامن قوتهم وضعفهم، وإبراز معاناتهم وصبرهم، وقدرتهم على مقاومة التحديات، وإحياء المعنوي والمادي من الماضي لأجل ربط الأجيال ببعضها، وتحقيق التواصل بينها، وبيان محاسن: الريادات إذا تبعتها الإضافات.
طموحات الملك عبدالله سواء الوطنية، أو العربية والإسلامية، أو حتى العالمية لا سقف لها، ولكنها ليست شخصية، ولا مظهرية، ولم يطلب منها لقباً استحقه شرعياً ووطنياً بصفته، وشخصه: خادماً للحرمين الشريفين، وملكاً للمملكة العربية السعودية بمشروعية تاريخية وشعبية، أو يطلب زعامة أتته: وراثة بفعل سياسي انطبع بالوطنية الجامعة، وجهاد وحد البلاد، وحقق التلاحم، ومن خلال فكره الناهض، ورؤاه المرتادة، وإنجازاته النوعية، وصدقيته بالقول، ووفائه بالعهد، وفضله وفضائله، ومحبة الناس، وشعورهم بقربه منهم، وخيريته وإنسانيته، فلا غرابة، إذا ما حسب من قادة زماننا الأفذاذ، ومصلحيه المعدودين.
طموحاته كإنسان، وزعيم وقائد، ومسلم مؤمن دعته إلى أنه، وإن صعب ما يطلبه لعالم متباعد جغرافياً، وثقافياً وحضارياً، وأثنياً وطائفياً، فغير مستحل: تواصله وتعاونه بعد تقاربه بسرعة الاتصالات المذهلة، واستحالة حجب الآراء والمعلومات، لكن المهم: أن يعم التسامح، وينخفض كثيراً التشدد، ويستتب الأمن، ويسود السلام بنسبة عالية، وتباينات العالم الشعورية تجاه مختلف القضايا ليست مفرقة إذا قُبل الاختلاف، وقلصت الفوارق بين الأمم، والشرائح الاجتماعية، وشاعت الحوارات، ولا يبدو أن تقديم المصالح في العلاقات بين الدول: مضر إذا روعيت فيه القيم الإنسانية، والمعايير الأخلاقية، وهذه هموم رعاها الملك، وعمل على التخفيف من حدتها بالحوار، والمساعي الحميد، والتقريب بين المتباعدين بالدعوات ومساندة المنظمات الإنسانية، وكل من يعملون لسيادة القوانين.
أما ما بينه وبين الوطن، فتاريخ طويل مضيء بشخوصه ورموزه، وحفوله بالأحداث التي تروي بطولات الأئمة، والملوك من آل سعود، ومقاومة الغزاة، والذين لا يجدون مكاناً لهم إلا بظل الفتن والانقسام، والجهل والعصبيات، وجغرافية بالوحدة، والأمن والاستقرار، والعلم والإصلاح: قربت المسافات المتباعدة بين مختلف مناطق البلاد بالحب والتواصل، وحكاية عشق متبادل تعززه الثقة، وطول العشرة، وأنشودة لا يسأم من إنشادها في حب عبدالله الجميع كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً.
ما حققه: ملحمة نحو الحداثة المرفودة بالتراث، والمصانة بالثوابت: بعثاً وابتكاراً عمت الوطن: تنمية وتطويراً، تنويراً وتوعية، واهتماماً بالعقول والأبدان، ودعماً للمواهب، وتقديراً للكفاءات، وقد شعر بهموم الناس وشاركهم به معاناتهم، فجعل بيقظة ضميره الدائمة، وفيض إنسانيته، نصب عينيه: ضرورة القضاء على الفقر والبطالة، ومكافحة الفساد، حيث وضع تصوراً بموجبه: اتخذت الجهات المختصة الإجراءات اللازمة لتجسيد هذا التصور، فنجحت باقترابها من تجسيده كاملاً، وحتى لا تتفاقم ظاهرة الفساد: أسس هيئة وطنية لمكافحته شعارها: نزاهة هو مرجعها المباشر حرصاً منه على سلامة المجتمع، وحماية كل شرائحه، فلوحظ بجدية الهيئة، ومتابعتها: تقلصه كثيراً.
ومما سيسطره التاريخ في سيرته الحافلة: اهتمامه البالغ بدور المرأة باعتبارها: شريكاً للرجل بالمواطنة الكاملة، والعمل، ومثلها مثله: فاعلة بالتعليم، والتنمية والإنتاج، والعلم والفكر، وقد عزز مكانتها بالاستقلالية، كمسؤولة وناشطة وسيدة أعمال، وعضوية مجلس الشورى، ومجالس الغرف التجارية والصناعية، وبأنها تملك طاقات، فصارت: نائب وزير ورئيس جامعة، ووكيلة ومديرة، وكرمها عاملة، ومبدعة ومتفوقة، وممثلة لبلادها باحتلال بأعلى المناصب في المنظمات العالمية بقدراتها، وسلوكها والتزامها.
وبما أن التعليم في كل مراحله، وأنواعه، العلمية والنظرية مبعث التنوير، وقاعدة التطوير، وأساس مختلف النهضات، والمدخل لضبط الحضارة من الانحراف، أو الانحسار، وبقطاعيه: الرسمي والأهلي، والعام والعالي: أولاه عناية خاصة، فشاع بجميع مراحله وأنواعه، وبشتى المناطق والمحافظات والمراكز، وإليه امتدت عمليات التحديث والتطوير بغية استجابته لكافة التحديات من غير المساس بالثوابت، فظهرت طلائع التحديث، وبدأت مفاعيله تنعكس على التفكير، وأسلوب العمل، ودعوة الملك بالتركيز على الثقافة العلمية بالتعليم، لاشك أن ما دفعه إلى ذلك: أن تزيد مكانة الوطن: تقدماً، وعلواً وثباتاً، وهذا الوعي بقيمة العلم هدفه: أن يغتني الوطن بالإنتاج والتصنيع، وتخصيب الزراعات، واستثمار الثروة الطبيعية على أكمل وجه، وتأهيل المواطنين بالمهارات النوعية لإيجاد البديل المماثل إن لم توجد، أو بحال نضوبها، وأنه بنشر الثقافة العلمية يتعمق وعي المواطن بما يحميه، ويجعله يفرق بين المضر والمفيد، وبواسطتها يحسن أحواله المعيشية والصحية، واستعمال كافة معطيات الحداثة.
ولا يبدو أن الدول تتقدم ما لم تبصر أهمية: العلوم الطبيعية، والأبحاث العلمية في مختلف الحقول المعرفية، واعتماد مبدأ التجريب في كل الحالات، والتأمل والتحليل، ودقة الملاحظة التي نتيجة لها: تخرج للنور النظريات التي بها يستدل على أحدث الطرق العلمية التي إذا أحسن استعمالها: تتوصل الدول إلى ما يغنيها: بما تصنعه، وتنتجه عن سواها، فتكتفي إن جزئياً، أو كلياً عن الاستيراد، وما يفيض عن حاجتها بقليل، أو كثير، وسواء ما تصدره من الصناعات، والسلع والبضائع، ومختلف أنواع المنتجات بكميات كبيرة، أو صغيرة، أو يغطي حاجاتها فقط، فكلها: اقتصادها ينتقل من الريعية إلى الإنتاجية، لأنها اهتمت ببناء الإنسان، وإن في مستويات مختلفة، فهذا أمر طبيعي لأسباب يطول شرحها، علماً بأن الدول في هذا العصر لا تستغني عن بعضها، لكن المهم الإنسان فهو: رأس المال الحقيقي، والثروة المستعصية على النضوب.
ومحافظة على سيرورة الوطن الحضارية، ولكي لا تتسع الهوة بين العلمي والنظري، ويعم الدعم كذلك: العلوم الإنسانية والصحية، والتعليم الفني وليعضد الفكر العام، ويتكىء الفكر على العلم، وهذه نظرة خلاقة من شأنها: شحن التحضر بالرقي المنومس بالقيم والأخلاق، والمصفى من الشوائب، فتكون بذلك قوة ناعمة عند التحدي الصعب تتحول إلى ضاربة دون أن تتأثر شفافيتها، فيبقى الوطن، وهذه حالة: عصياً على الضعف، أو الاهتزاز، فيتساوى عندئذ، الاهتمام بكل العلوم، طبيعية وإنسانية، فنية وتقنية، وتحصيلاً حراً، وإبداعاً في كل ذلك، ويبدو أن المعنيين: وعوا ما يرمي إليه الملك، فأخذوا بالدعم والتشجيع: يعملون بجدية، وبقدر وسعهم على تنفيذ ما يدور بذهنه رغم أن المشوار طويل، وبغاية الصعوبة، إلا أنه بالدعم والإرادة، والخبرة والتجريب، وبالعزيمة والإصرار: سوف لا يطول كثيراً المشوار، ومهما اشتدت الصعوبة لا يمكنها إعاقة الهدف.
إنه رغم أن لكل زمن طبيعته، وخصوصيته ومعطياته، فهذا لا يحول دون تتالية في حقب، وفترات ومراحل بوتيرة متتابعة، وسياق متصل، وامتدادات متفاعلة، ومحصلات تراكمية منها: ما كان ساري الصلاحية، والمنتهية صلاحيته بحيث: أن الدعوة إلى القطيعة مع الماضوية دعوة عبثية عاقة تجهض القيم، والتواصل والبر، ومضادة لسنة الحياة، وناموس الكون، والذين يتبنونها، ويرجعون لها: ساقطون بحضيض التقليد الخانع، والتضليل والغفلة، أو أنهم عن الفهم بعيدون، وللخبائث منقادون.