رايس: انهيار الشرق الأوسط لمصلحة إيران وحلفائها
ربما تكون الحرب الأهلية في سورية هي العمل الأخير في قصة تشظي منطقة الشرق الاوسط كما نعرفها. ومن الواضح ان قضية الحفاظ على المنطقة متماسكة وإعادة إنشائها على أسس صلبة من التسامح والحرية والديمقراطية، تتسرب من ايدينا شيئاً فشيئاً. وتتمتع كل من ايران ومصر بتاريخ طويل ومتواصل، إضافة الى هوية وطنية قوية، وكذلك تركيا، باستثناء وجود مشكلة الاكراد الذين لايزالون في حالة عدم اندماج في الدولة، كما ان انقرة لا تثق بهم، بالنظر الى آمالهم بالانفصال والحصول على دولة مستقلة.
وتم تشكيل معظم دول المنطقة الحالية على يد الدولتين البريطانية والفرنسية، حيث تم رسم حدود هذه الدول كمن يرسم خطاً على ورقة دون أي مراعاة للفروق الاثنية والطائفية، وكانت النتيجة حدوث مشكلات اثنية وطائفية متعددة، ولكن هذه الدول ظلت متماسكة بالنظر الى أنها حكمت من قبل ملوك وحكام شموليين، ولكن عندما انتشرت رغبات الحصول على الحرية من تونس إلى القاهرة، فقد الحكام سيطرتهم على هذه البلاد، ويكمن الخطر الآن في احتمال تشظي هذه الدول.
وفي العراق، وبعد الاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين، أملت الولايات المتحدة في تأسيس دولة ديمقراطية تحظى بالتعددية، وتمنح كل الجماعات التي تعيش فيها مستقبلاً جيداً، وبالفعل تشكلت حكومة من كل اطياف الشعب العراقي، لكن مؤسسات الدولة لاتزال فتية وهشة، وهي تئن تحت وطأة الانفجارات الطائفية الكبيرة في المنطقة، ويدفع الصراع الدائر في سورية دولاً مثل العراق إلى حافة الانهيار، وفي الوقت ذاته أدى انسحاب الجيش الاميركي الى إغواء السياسيين العراقيين بالانتقال نحو الحلفاء الطائفيين من اجل البقاء.
وكان الخطأ الكبير الذي تم ارتكابه العام الماضي هو تحديد الصراع القائم في سورية على انه إنساني، ولكن نظام دمشق كان وحشيا، الأمر الذي نجم عنه مقتل الكثير من الابرياء، وبعد انهيار الوضع الامني في سورية انجذب السنة والشيعة والاكراد الى ولاءات طائفية، وكان الفيلسوف الالماني كارل ماركس قد دعا عمال العالم الى التوحد مع بعضهم بعضاً بغض النظر عن حدود دولهم، وقد أبلغهم انه يوجد الكثير المشترك بين بعضهم بعضاً أكثر مما يجمعهم مع الطبقات الحاكمة التي تقمعهم باسم الوطنية، وكان ماركس يحض العمال على التخلص من « الوعي الكاذب» للهوية الوطنية.
والآن اصبحت ايران هي كارل ماركس، فهي تتصور انتشار نفوذها بين الشيعة وتوحيدهم تحت راية طهران الدينية، حتى لو أدى الى تدمير وحدة أراضي كل من البحرين، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، والعراق. وتستخدم ايران الجماعات الارهابية، وحزب الله، والميليشيا الشيعية في جنوب العراق لتحقيق هذا الهدف، كما أنها تعتبر سورية الجزء المفصلي في ذلك، اذ انها الجسر الذي يوصلها الى الشرق الاوسط. ولم تعد ايران تكلف نفسها مجرد إخفاء حقيقة ان قواتها الامنية تعمل في سورية لدعم قوات النظام. وفي هذا السياق فإن اندفاع طهران نحو الحصول على السلاح النووي يمثل مشكلة ليس لإسرائيل فحسب وإنما للمنطقة برمتها.
وفي المقابل، تقوم دول مثل السعودية وقطر ودول اخرى بتقديم السلاح والدعم للطرف الآخر. وانجذب الاتراك ايضاً الى هذا الصراع، مخافة قيام الاكراد بالانفصال عن سورية ودفع أشقائهم في تركيا الى للقيام بالأمر نفسه. وباتت قذائف الهاون والصواريخ التي تسقط على الاراضي التركية مسألة أكثر شيوعاً على الحدود مع تركيا واسرائيل. وكان لابد من أن تلفت دعوات أنقرة لحلف شمال الاطلسي للمساعدة، انتباهنا في واشنطن، ولكن أين الولايات المتحدة في هذا الأمر؟ امضت أميركا اشهراً عدة في محاولة إقناع كل من روسيا والصين للموافقة على قرارات الامم المتحدة غير الملزمة «لوضع حد لسفك الدماء»، وكأن موسكو يمكن أن تتخلى عن الرئيس السوري بشار الاسد أو أن بكين تهتم أصلاً بالفوضى في الشرق الاوسط. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس شخصا عاطفياً، لكنه اذا ظن ان الاسد يمكن ان ينجح فإنه لن يتخلى عنه.
وخلال الأيام القليلة عمدت كل من فرنسا، وبريطانيا، وتركيا الى سد فراغ دبلوماسي، بالاعتراف بائتلاف المعارضة الذي تشكل حديثاً، والذي يمثل السوريين على نحو واسع، وينبغي على الولايات المتحدة ان تتبع هذه الدول وأن تقوم بتسليح هذه الجماعات المسلحة بأسلحة دفاعية بشرط ان تسمح بمشاركة تعددية في الحكم في مرحلة ما بعد الاسد، ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها ان يدرسوا امكانية تشكيل منطقة حظر جوي بهدف حماية المدنيين، ولابد من القول ان ترك هذه المهمة للقوى المحلية التي تختلف عنا من حيث المصالح، من شانه أن يفاقم الوضع الطائفي.
وبالتأكيد، لا يخلو الوضع من المخاطر، فبعد مرور أكثر من عام على هذا الصراع المرير تبدو الحرب الاهلية كأنها تنزلق الى اسوأ المنحدرات، كما أن العديد من الجماعات المتطرفة امتلك الاسلحة، وبالتأكيد فإن الاطاحة بالأسد من شأنها أن تدفع بهذه الجماعات الى السلطة، ولكن انهيار النظام الدولي في الشرق الأوسط ينطوي على مخاطر كارثية، لأنه من المؤكد أن حلفاء إيران هم الذين سيكسبون وحلفاء أميركا هم من سيخسرون. وفي واقع الأمر فإن الحرب لا تتراجع في الشرق الأوسط، وبعد أن انتهت انتخابات الرئاسة يتعين على أميركا ان تتحرك.