في حوارٍ مع صحيفة “البيان الإماراتية ” إعتبر رئيس أوروغواي خوسيه موخيكا أن الحركات التي أدت إلى إسقاط الأنظمة في بلدان الربيع العربي أثبتت عجزها التام عن تقديم البدائل وتحقيق القدرة على الحكم، مشيراً إلى أن المنظمات المؤسساتية وذات
البنى السياسية والعقائدية وحدها تمنح الأدوات التي تنجز التغيير. وأكد «الرئيس الأفقر» في العالم، كما يلقب لنمط حياته المتقشف، أنه عاش في نفس المنزل لأكثر من 30 عاماً ويستهلك فقط ما يحتاجه، مقراً في الوقت ذاته ارتكابه أخطاء عديدةً خلال مسيرته السياسية، ومشدداً على وجوب إيجاد طرق للنضال تتجنب الحرب، كما انتقد الولايات المتحدة بشكلٍ ضمني، مشبهاً موقف أميركا الجنوبية نحوها بأنه يماثل ذلك الذي كان القرطاجيون ينظرون إلى الامبراطورية الرومانية من خلاله.
ما هي الأسباب، باعتقادكم، خلف الفوضى التي تجتاح بلدان الربيع العربي؟
من الصعب جداً أن أعطي رأياً من بعيد حول حقيقة معقدة جداً من الصعب بمكانٍ بالنسبة إلينا أن نفهمها، لأننا نراها من وجهة نظر مختلفة وتاريخ وإرث مختلفين. ولكن، هناك شيء من السهل رؤيته في كل بلدان ما بات يدعى بالربيع العربي، وهو أن الإطاحة بنظام سياسي والهيكل المؤسساتي أمر، وبناء بديل عنه أمر آخر. إن الحركات التي أدت إلى إسقاط الأنظمة التي حكمت تلك البلدان كانت فعالة جداً من حيث النضال وتدمير الأنظمة السياسية. لكن في نفس الوقت، أثبتت عجزها التام عن تقديم البدائل وتحقيق القدرة على الحكم في تلك الدول بعد سقوط الأنظمة القديمة. ومن الجدير ذكره في هذا الخصوص مسألة وسائل التواصل الاجتماعي، لأن كل تلك الاعتبارات تنطبق عليها.
إلى حد الآن، كانت وسائل التواصل الاجتماعي فعالةً جداً في الانتقادات والتعبئة، لكنها فشلت في بناء أي شيء. لربما ترتبط تفسيراتي بعمري وتجربتي الشخصية، لكنني مقتنع بأن المنظمات المؤسساتية والمنظمات ذات البنى السياسية والعقائدية وحدها باستطاعتها أن تمنح الأفراد وشعوب أي بلد الأدوات التي يمكن من خلالها إنجاز التغيير الذي يحتاجون إليه. إن تشكيل مثل تلك التنظيمات يحتاج إلى وقتٍ أكبر ومعقد بشكلٍ أكبر ويتطلب عملاً دؤوباً وصبراً، لكن ليس هناك طريق مختصر على درب التغيير الاجتماعي.
توصفون بأنكم «الرئيس الأفقر» في العالم. ما الذي دفعكم إلى اتخاذ هذا النمط من الحياة على عكس بقية الزعماء؟
لقد عشت في نفس المنزل لأكثر من 30 عاماً بتواضع استهلك فقط ما أحتاجه لكي استمر على قيد الحياة. وأحاول كذلك طيلة حياتي أن أسافر باصطحاب أمتعة خفيفة. هكذا اخترت أن أعيش حياتي، وهذه فلسفتي التي لا أحاول فرضها على أحد. أشعر بالسعادة حينما يكون بإمكاني أن أفعل الأشياء التي أحبها أكثر.. تلك التي تحفزني.
إن كرّست الكثير جداً من وقتي لكي أكسب الأموال الكافية التي ستشتري لي أشياء عديدة جداً، فإن علي في هذه الحالة أن أقضي وقتاً أكثر للاعتناء بتلك الممتلكات، وستقل حريتي في أن أفعل ما أحب. بالإضافة إلى ذلك، ما هي جدوى القلق من كسب الأموال وأنا في سن 79؟
وعلى كل حال، عشت بتلك الطريقة على الدوام ولم اختر أن أفعل ذلك بسبب مركزي كرئيس. وبعد أن انتُخبت، استمررت في العيش كما كنت قبل أن أصبح رئيساً. أنا لا أطلب من بقية الرؤساء أن يكونوا مثلي. وحينما يزورون الأوروغواي، استقبلهم في القصر الرئاسي المريح المخصص للرؤساء وأرحب بهم بما يتطابق مع البروتوكول والاحترام الذي اعتادوا عليه. وحينما أزورهم بدوري، أجلس على موائدهم وأذهب إلى منازلهم بنفس الاحترام حتى لو كانت مختلفة عن بيتي.
أقدرهم جميعاً. ولكن الشيء الوحيد الذي أريده هو ألا يطلب مني أحد أن أكv ف عن العيش بالطريقة التي اخترتها.
لو عدنا إلى الحياة المليئة بالصعوبات والتمرد التي عشتها خلال العقود الماضية، أين ترى أنك ارتكبت أخطاءً؟
أن تعيش، يعني أن تفعل أشياء صحيحةً وترتكب أخطاء. هذه هي الحال على الدوام. وإن اخترت أن تعيش حياتك بشكلٍ حاد وتدافع عن معتقداتك، كما فعلت أنا، فإنك سترتكب أخطاء عديدة من دون أدنى شك. لكنني لا أندم على شيء قمت به في حياتي. وأكثر من ذلك، إن كان هناك ثمة شيء يمكن أن أندم عليه فهو تمضية أي جزء من حياتي من دون أن أعيشه حتى أقصاه. لكن أن تعيش وترتكب أخطاءً، فذلك أمر يعلمك شيئاً باستمرار.
لو عدنا إلى الحياة المليئة بالصعوبات والتمرد التي عشتها خلال العقود الماضية، أين ترى أنك ارتكبت أخطاءً؟
أن تعيش، يعني أن تفعل أشياء صحيحةً وترتكب أخطاء. هذه هي الحال على الدوام. وإن اخترت أن تعيش حياتك بشكلٍ حاد وتدافع عن معتقداتك، كما فعلت أنا، فإنك سترتكب أخطاء عديدة من دون أدنى شك. لكنني لا أندم على شيء قمت به في حياتي. وأكثر من ذلك، إن كان هناك ثمة شيء يمكن أن أندم عليه فهو تمضية أي جزء من حياتي من دون أن أعيشه حتى أقصاه. لكن أن تعيش وترتكب أخطاءً، فذلك أمر يعلمك شيئاً باستمرار.
وأكبر درس أود أن أنقله، خاصةً لجيل الشباب، بأن ما يهم حقاً، إن فشلت في شيء ما، أن تجمع قواك وتبدأ من جديد. وهناك درس آخر يمكن لي أن استنتجه من حياتي الشخصية وهو أنه إن آمنا في الماضي بأن هناك حروباً عادلة، مثل حروب التحرير الوطني والاستقلال، فقد أظهر لنا التطور التكنولوجي خلال العقود الثلاثة الماضية أنه مهما كانت القضية عادلة فإن أولئك الأكثر تأثراً في أي حرب سيصبحون دائماً وحتماً الأضعف والأفقر. وعليه، يجب علينا أن نسعى إلى البحث عن بديل وإيجاد طرق ومسارات للنضال تتجنب الحرب.
لمحة
يتلقى رئيس أوروغواي خوسيه موخيكا راتباً شهرياً قدره 12 ألفاً و500 دولار، ولكنه يحتفظ لنفسه بنسبة 10 في المئة فقط من راتبه، ويتبرع بالباقي إلى الجمعيات الخيرية في بلاده. ويعيش موخيكا منذ توليه الرئاسة في شهر مارس 2010 في بيت ريفي بمزرعته، ويرفض العيش في القصر الرئاسي، كما أنه لا ينتفع بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم.
وكان عرض في شتاء العام الماضي على الهيئات الاجتماعية في حكومته استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسي في العاصمة مونتفيديو لتوفير المأوى للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الموجودة فيها.
وموخيكا من مواليد 20 مايو 1935 وتولى سدة الحكم في مارس 2010 عن عمر يناهز 75 عاماً، وسبق أن تولى حقيبة الزراعة بين عامي 2005 و2008. كما كان مقاتلاً سابقاً في منظمة «توباماروس» الثورية اليسارية. ويقول دوماً أن أغلى شيء يملكه هو سيارته الـ«فولغز فاغن بيتل» ذات الطراز القديم التي لا تتعدى قيمتها ألفي دولار.
المصدر: صحيفة البيان الإماراتية