لا أعتقد أن أحداً يختلف على أن إسقاط الجنسية أو سحبها، الذي طال عدداً كبيراً من المواطنين، هو قرار اتخذ لدواعٍ سياسية، لذلك فهو محرَّم دولياً، ومخالف لكل اتفاقيات حقوق الإنسان، وقبل ذلك، هو مخالف للدستور الكويتي، الذي تنص المادة 27 منه، وبصياغة جلية واضحة لا تحتمل أي لبس، على أن “الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون”.
والقانون في عُرف أهله ينظّم ولا يقيد أو يصادر، والتنظيم يعني إجراءات التنفيذ، لكنه لا يتغوَّل لدرجة إهدار حق كفله الدستور بنص صريح، كما هو حق حرية الاعتقاد، وحرية إبداء الرأي، وحُرمة المساكن، وعدم تعرُّض أي إنسان للتعذيب، أو المعاملة التي تحط من كرامته، وحق المساواة في الحقوق والواجبات، لا تمييز فيها بين المواطنين.
كل هذه ضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، لا يجوز المساس بها، لأنها حقوق بصفتهم مواطنين بشراً.
قرارات سحب الجنسية، التي اتخذتها السلطات الكويتية ضد مواطنين كانت انتقائية، أي إنها لم تطبَّق على جميع الحالات المتماثلة، ثم إن اللجوء إلى القضاء… إما أنه مقفل، أو تم تضييقه لدرجة المنع.
سحب جنسية سعد العجمي
لنأخذ قضية سحب جنسية المواطن الصحافي سعد العجمي، فقد أُسقطت أو سحبت منه الجنسية الكويتية، ثم أُبعد، وعادة في مثل هذه الحالات يخيَّر المواطن، أي جنسية يرغب في الاحتفاظ بها، كحالة الكثيرين الذين ولدوا في بلاد تمنح الجنسية بالولادة، كالولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، هذا أولاً، وثانياً هناك أعداد كبيرة لحالات مشابهة، وقيل إنها أعداد ضخمة، وهي حالات معروفة للسلطة، فلماذا لم تتخذ الإجراءات بحقهم؟!
وثالثاً، لماذا الإبعاد؟! فالمواطنون من دول مجلس التعاون لهم حق دخول الكويت والإقامة والعمل فيها، بموجب اتفاقيات مجلس التعاون، وقبل ذلك، بحكم الأخوة وتداخل الأنساب، وإذا خالف القانون أو النظام أو ارتكب جريمة، فالطريقة السليمة، هي إحالته للقضاء، لاتخاذ الإجراءات القانونية، ولا أعتقد أن من بينها الإبعاد.
… والنائب السابق عبدالله البرغش
حالة ثانية، هي قضية النائب عبدالله البرغش، فقد اتُّخذ قرار بسحب الجنسية منه، ومن أشقائه وأولادهم، وذنبه أن حصولهم على الجنسية كان عن طريق انتسابهم لعمهم وليس لوالدهم، الذي ربما كان يحمل جنسية أخرى.
والسؤال: إذا كان قرار منح الجنسية خاطئاً، أليس من الأجدى معاقبة من اتخذ القرار؟
وطبعاً، هذه المعلومة معروفة للسلطة، فلماذا انتظرت كل هذه المدة، إلى أن أصبح عبدالله البرغش نائباً في مجلس الأمة؟ هل لأنه تجرَّأ على اتخاذ موقف لا يُعجب السلطة، فعاقبته بإجراء ناعم، لكنه أحدُّ من السيف؟!
ثم هل حالة البرغش هي حالة فريدة؟! ألا يوجد أشخاص آخرون وصل بعضهم إلى مجلس الأمة، وأصبحوا في وضع لا يقتصر على التمتع بمزايا الجنسية، بل أصبحوا في وضع يمكنهم من إصدار جنسيات بالواسطة لآخرين، وأحياناً مقابل منافع وفوائد؟!
فلماذا الكيل بمكيالين؟! لماذا لا تطبَّق المسطرة على الجميع؟
طبعاً، لا أعتقد أنه من المناسب اتخاذ إجراءات جائرة، لكن يمكن تطبيق القانون، مع الاحتفاظ بحق الناس بكراماتهم وكسب عيشهم.
… وأحمد جبر الشمري
حالة ثالثة، هي حالة أحمد جبر الشمري، وهو المولود لأب كويتي، باعتبار أن والده حصل عليها بالتجنيس، وقانون الجنسية ينص في مادته الأولى على أن الكويتي هو من وُلد لأب كويتي، وفقاً للمادة الأولى من القانون.
وكل هذه الحالات لم تصدر بحقها أحكام قضائية تدينهم بارتكاب أفعال مجرّمة.
هذه الحالات كانت قرارات سحب الجنسية فيها سياسية، لأنهم اتخذوا مواقف لا ترضى عنها السلطة، أي قرارات انتقائية، أي إنها طبقت على ناس وناس، فقط مَن اتخذ موقفاً لا ترضى عنه السلطة، ولم تُطبق على حالات مشابهة لأشخاص، لأنهم يتمتعون برضاها.
مادة 27 من الدستور
المؤسف، أن كثيرين أيَّدوا أو ابتهجوا لمثل هذه القرارات، لأنهم يخالفونهم الرأي، في حين أن السلوك الذي يتفق مع الدستور، هو أن ندافع عن حق أي إنسان، وفقاً لقواعد الدستور وحكم القانون العادل، فالناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون في القانون بالحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين (مادة 27 من الدستور)، مع ملاحظة أن المادة تنص على الناس الذين يعيشون في الكويت، وليس المواطنين فقط.
وعليه، فالمواقف ينبغي ألا تتحدد بناءً على مَن نحب أو نكره، أو نتفق معه أو نختلف، وإذا تم تجاوز هذه القواعد على البعض اليوم، فالآخرون قد يكونون معرّضين لإجراء مماثل.