لدينا مشكلة، نحن الشعب الكويتي، وها نحن نعرضها أمام أسرة آل الصباح الكرام حتى يتفهموا موقفنا.
عند اختيار أي رئيس مجلس وزراء جديد للكويت، فإننا كمواطنين نفترض أنه كانت هناك عدة شخصيات قيادية من الأسرة مرشحة لهذا المنصب، وأن مشاورات مكثفة قد جرت داخل الأسرة حول كل مرشح، وأن الاختيار وقع في النهاية على.. الأكثر كفاءة.
وتتعزز القناعة عندنا بأن رئيس مجلس الوزراء، الذي تم اختياره، هو «أفضل الموجود» من وجهة نظر الأسرة، عندما يستمر في تشكيل سبع حكومات متتالية، دون أن تلوح في الأفق رغبة في تغييره.
هنا يبدأ المجتمع الكويتي بالانقسام.. فهناك شريحة من المجتمع، تؤمن بأن كل ما أتى من آل الصباح فهو خير، وأنه ليس بالامكان أبدع مما كان، وأن رئيس مجلس الوزراء، الذي وقع عليه الاختيار، هو «نخبة النخبة»، ولكن «المؤزمين والاشاعات» لا يعطيان له فرصة كي يطور وينجز.
مجموعة «صغيرة» قد تستغل هذه الشريحة سلما لمآربها، وللتأكيد أن.. «الأمور طيبة». وقد تجد هذه المجموعة في رئيس مجلس الوزراء ضالتها، فترمي له بطوق النجاة، وتعده أن ترسم له مستقبلا مشرقا وتاريخا مشرفا.. شرط أن يضع «كل بيضه في سلتها».
شريحة ثانية، فاض بها الكيل، وضاقت ذرعا من ان الكويت وشعبها باتا «حقل تجارب»، وصارت تتوجس من أي رئيس مجلس وزراء قادم من الأسرة، من باب أن «اللي انلدغ من الحية يخاف من الحبل». ولذا فقد اختارت «آخر الدواء الكي»، وأنه اذا كان هذا هو «أفضل الموجود»، فقد حق لنا أن نطالب بتوسيع دائرة الاختيار، وليكن رئيس الوزراء القادم.. شعبيا.
الشريحة الأخيرة، وهي في رأينا تشمل السواد الأعظم من أهل الكويت، ويمكن أن نطلق عليها «حزب الكنبة»، تلفتت حولها فرأت ما آل إليه حال الشعوب التي طالبت بتغييرات «جذرية» في أنظمة الحكم خلال فترات «وجيزة»، لذا فهي مع الإصلاح والتغيير، لكن دون أن يمس ذلك من الأمن والأمان الذي تنعم به الكويت، ودون أن يمس ذلك من المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية التي يحظى بها المواطن حاليا.
وهذه الشريحة تؤمن بأن الحل لابد أن يأتي من داخل أسرة آل الصباح، بحيث تكون هناك ضمانات أفضل أن رئيس الوزراء المقبل سيكون شخصية جمعت من القيادة والكفاءة ما يعوض كل ما تعرضت له ثروات وخيرات الكويت في الآونة الأخيرة من هدر.. ونهب.
هذه الشريحة، تؤمن أن عدم قدرة الرئيس السابق على الانجاز وتحقيق «الحد الأدنى» من تطلعات المواطنين، لم تؤثر على سمعته فقط، وإنما أخذت تأكل من رصيد الأسرة عند الشعب. وليس بخاف على أحد أن خطوطا حمراء تلاشت وانتقادات ارتفعت، عن السقف المتعارف عليه، قبل أن يستقيل رئيس ويأتي آخر.
من هنا، لم يعد مقبولا أن ينزوي بعض أبناء الأسرة في دائرته المقربة، مكتفيا بـ«التحلطم»، غير مقدر لخطورة دوره السلبي على مستقبل الكويت، تحت ذرائع مثل: «وانا اش لي بالطلايب.. واشدعوه راح يسمعون لي».
النصيحة «الصادقة» باتت «ضرورة» وليست «رفاهية»، وكلما تأخر أو تخاذل بعض أبناء الأسرة عن دورهم في كشف الأمور على حقيقتها، كلما ساهموا في بقاء الوضع على ما هو عليه، إن لم يكن في تدهوره أكثر.
هيبة الأسرة لا تستمر، كما يحاول أن يصور بعض «تجار السياسة»، بإقرار نهاية خدمة المتقاعدين أو زيادة بعض رواتب الموظفين. وإنما تستمر عندما يشعر الشعب أن السلطة حريصة عليه وعلى مستقبل أبنائه، كما هو حريص عليها وعلى الالتزام بعقد الدستور الحالي بينهما.
ولهذا فإن الخطاب موجه لأبناء الأسرة المخلصين أن يلتفوا حول القيادة العليا، وأن يكونوا عينها وسمعها على حقيقة ما يجري في البلد، وأن يضعوا أيديهم على مواضع الخلل، دون خوف أو خجل.
وأما إن اختار بعض أبناء الأسرة السلامة، ولم يبادروا للقيام بواجبهم وحمل الأمانة التي عهد بها إليهم الشعب الكويتي، فسيحل محلهم مقتنصو الفرص والمستفيدون من استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، وسيحرص هؤلاء على أن تكون الرسالة الوحيدة التي تصل: «الأمور وايد زينة». عندها لا ينبغي أن يُلام الشعب الكويتي اذا تزايدت فيه الشريحة التي تطالب بـ«شعبية» رئيس الوزراء، مع ما يصاحب ذلك من رصيد للأسرة قد يستنزف، وخطوط حمراء أخرى.. قد تُمحى!