يدور ويثور السؤال أعلاه وبقوة هذه الأيام في شبكات التواصل الاجتماعي وفي الديوانيات والمجالس، وقد حضرت وما زلت أحضر نقاشاً محتدماً حول مسألة: هل نشارك في الانتخابات القادمة أم نقاطعها كما فعلنا مع السابقة وهي التي انتهى مجلسها إلى الإبطال؟
لن أستعجل فأقول بأن الحراك قد فشل تماماً، وعلى كل من يقول بذلك أن يبين لنا المقصود بمصطلح الفشل الذي يعنيه هنا، لكنني في المقابل سأعترف بأن الحراك لا يمر حالياً بأحسن حالاته، وأنه يتعرض لخلخلة داخلية شديدة، قد تطيح به تماماً إن هي استمرت.
ويمكن لي أن أخلص الآن، كحصيلة لمتابعة الحراك والمشاركة ببعض مشاهده وفعالياته على مدى شهور، وكنتيجة كذلك لمتابعة النقاشات الدائرة حاليا والمشاركة فيها، إلى مجموعة من الأسباب أدت في قناعتي إلى هذه الخلخلة، ومنها أسباب كنت قد استشرفتها فكتبت عنها منذ شهور بعيدة، وتنبأت بما قد تؤدي إليه، وهو ما صدق اليوم وللأسف.
السبب الأول، من البداية حتى اللحظة، هو عدم وضوح الرؤية البعيدة من عمليتي المعارضة والمقاطعة، وعدم اتساق وتوافق الشعارات المرفوعة لا مع بعضها بعضاً ولا مع الأهداف وهي التي كانت بدورها غير واضحة ولا متفق عليها، وهو السبب الذي قاد بدوره بعد ذلك إلى السبب الثاني الذي تمثل بنشوء العديد من الخلافات والتباينات الحادة، بل المماحكات والتنافس الفج السقيم، ما بين رموز وأجنحة وتيارات المعارضة.
وأما السبب الثالث فيتمثل باستسهال واستعجال ترميز من لا يستحقون الرمزية القيادية وفرضهم بذلك على مناصري الحراك، كمثل من عليهم شبهات سياسية أو مالية أو حتى أخلاقية أو غيرهم كوجهاء قبائل لمجرد وقوفهم بجانب المعارضة لاتفاق المصلحة في ظروف وقتية سرعان ما زالت فزالوا معها، وهو الأمر الذي أدى إلى فقدان كثير من المؤيدين للثقة بمصداقية وجدوى هذا الحراك. السبب الرابع، وهو أن أغلب المنخرطين في الحراك ليسوا على جدية كافية ولا على قدر مواجهة حقيقية مع سلطة صرنا نعرف بأنها متعنتة وقاسية، بل هم يتعاملون مع الندوات والاعتصامات والمسيرات باعتبارها فزعات أو فُسحات أو مغامرات على أبعد تقدير، لا يتوانون عن التخلي عنها عندما ينشغلون بأمورهم الخاصة أو بسياحتهم في الصيف أو عندما يكون الطقس حاراً أو مغبراً، وليست على أنها نضال سياسي على قدر كبير من الحساسية والخطورة بدأ ليستمر وقد يتطور إلى ما هو أصعب. وأما السبب الخامس فهو أن الشباب الصادق في الحراك والذي أثبت أنه على استعداد للمواجهة والتضحية قد رأى اليوم بعينه كيف صار من السهل أن يصبح كبش فداء يتم التخلي عنه فلا يجد النصرة الحقيقية عندما يلقى عليه القبض ويتم التعنت معه فيحبس بالأيام والأشهر!
هذه الأسباب، ولعل هناك غيرها، أدت إلى ظهور فريق كبير من أبناء الحراك، والذي كان منه من كانوا في مقدمة الصفوف، يؤيدون المشاركة في الانتخابات القادمة، بل بقوة لتبريرات مختلفة يسوقونها، وهو ما سأتناوله في المقال القادم لضيق المساحة اليوم، بالإضافة إلى كيف يجب أن تكون المقاطعة والمواجهة في الفترة القادمة، فإلى هناك بإذن الله