تميزت ردود الفعل الشعبية تجاه جلسة الاستجوابات الماراثونية، في مجملها، بالسخرية والاستهزاء إضافة إلى التعليقات الغاضبة والعنيفة، في مؤشر صريح على أن الوضع السياسي لم يعد ليتعاطى بالحد الأدنى من الجدية أو روح المسؤولية.
وكانت علامات الدهشة والاستغراب من مواقف النواب تدور حول التناقضات في التصويت على طرح الثقة بوزير الصحة، ثم الصحوة العارمة ضد وزيرة التخطيط، وبعد ذلك الصمت المريب تجاه استجواب رئيس الوزراء ومن بعده وزير الإسكان والبلدية.
قد يكون لهذه المفارقات أسبابها السياسية والدستورية، فهل يعقل أن يتسابق النواب على جمع ثلاثة طلبات لطرح الثقة بوزيرة التخطيط والتنمية على مادة تتعلق ببرنامج عمل الحكومة وإنجازاتها، وعندما يأتي الدور على رئيس الحكومة لا يتجرأ أحد من بين كل النواب على الحديث تأييداً لصحيفة الاستجواب؟
وهل يعقل أن يحصل وزير على دعم أكثر من ثلاثين عضواً بعد استجوابه في حين أن زميلة له في ذات الحكومة يوقع ضدها نفس هذا العدد وهي على منصة المساءلة؟
وهل يعقل أن ينتهي استجواب بشأن الرعاية السكنية دون حتى أي توصيات ومع ذلك يعلن عن تقديم استجوابين جديدين في نفس الجلسة لوزيرة الشؤون ووزير التربية؟
هذه التساؤلات بالتأكيد مشروعة ومهمة، لكن الاستغراب منها غريب جداً أيضاً، فهل كان من المتوقع أصلاً أن يكون أداء المجلس الحالي غير هذا؟
وهل كان التهديد والوعيد بتقطيع أوصال الحكومة وحتمية زوالها أو لزوم تعديل نصفها فيه ذرة من المصداقية حتى يستغرب الناس من جلسة الأمس القريب؟
قد يقول البعض بأن مثل هذه الممارسات المتناقضة والسلوكيات السياسية المدفوعة بمصالح وترضيات وصفقات مختلفة الألوان والأشكال ديدن العديد من المجالس والنواب السابقين، وهذا التحليل قريب إلى الواقع، ولكن المجلس الحالي والسابق له، المبطل وفق آلية التصويت الجديد أو ما يعرف بـ”الصوت الواحد”، كان الرهان عليه كبيراً.
الرهان الكبير كان على تصفية المعارضة التقليدية ورموزها ولو على حساب وضع البلد على مفترق طرق خطير، وكان الرهان على وقف حالة التأزيم السياسي بين المجلس والحكومة، وكان الرهان على التنمية والإنجاز وتلبية طموحات المواطنين في حالة إقرار نظام “الصوت الواحد”، وكان الرهان على منح الأقليات فرصة للتمثيل النيابي للمساهمة في النشاط السياسي، وأخيراً كان الرهان على تطوير التجربة الديمقراطية ككل وتجاوز إخفاقاتها وتقديم الإضافات لها.
طبعاً هذا الرهان كان من وجهة نظر الحكومة وحلفائها ومن طبّل لها من مجاميع شعبية وشخصيات سياسية، وكان الوعد بأن البلد سيشهد إنجازات غير مسبوقة في غضون أشهر قليلة إذا ما تحققت له سلطة تشريعية مهادنة ووديعة ومتعاونة، ومن أهم متطلبات هذا التعاون وهذه الوداعة أن يقف أعضاء المجلس أنفسهم ضد زملائهم المتطرفين والمشاغبين، وقام الكثير من المواطنين وبمحض إرادتهم واختيارهم بانتخاب مجلس على هذا المقاس الحكومي، بل اختاروا نسخاً مكررة من بين العشرات من المرشحين وفق هذه المعايير الجديدة، وها هو المجلس يؤدي ما طلب منه بكل دقة وإخلاص، والدليل أن الحكومة ترفع له عقال التحية ورد الجميل، فلماذا الغضب ولماذا العجب؟!