العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية يجب أن ترسم وتمارس وتتابع انطلاقاً من صميم مفاهيم السياسة الدولية المعاصرة، سواء في ما يتعلق بتعزيز المصالح المشتركة، التي انفتح لها المجال بلا حدود، أو على خلفية الخلافات في الفكر والتوجه السياسي وبقية التباينات التي رسمت لها الدبلوماسية الحديثة مخارج وحلولاً سلمية.
زيارة سمو الأمير لطهران قد تشمل هذين البعدين معاً، فعلى صعيد العلاقات الثنائية تربطنا وإيران الكثير من أواصر الود والاحترام ومستوى التمثيل على درجة عالية جداً، الأمر الذي يسهل تفعيل مختلف أشكال التعاون ذات الفائدة المشتركة.
أما على صعيد العلاقات الإقليمية فالتوتر الإيراني الخليجي مازال قائماً، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، هذا التوتر يكاد يغطي على الطبيعة الإيجابية للعلاقات الإيرانية مع جميع دول الخليج الأخرى، فالثقل السعودي يرجح الجانب السلبي فيها، فالصراع على الزعامة الإقليمية والنفخ في بوق الطائفية والتحالفات الجغرافية المتنافسة أهم عوامل هذا الخلاف الذي تجذر في السنوات القليلة الماضية.
لعل زيارة الشيخ صباح الأحمد هي الجسر لبناء وترميم هذا التدهور بين طهران والرياض، من خلال البراغماتية السياسية، وهي دبلوماسية الواقع العملي ومتطلبات المرحلة الحساسة إقليمياً وعالمياً، فالتوتر السعودي – الإيراني كلّف منطقة الخليج نحو تريليوني دولار خلال العقدين الماضيين على الإنفاق العسكري، ومع ذلك لم تشهد ضفتا الخليج طلقة رصاص واحدة ولله الحمد، وهذا أبلغ دليل على أن الوهم السياسي والتحريض الداخلي والمؤتمرات الدولية هي سبب اختلاق مشكلة عويصة وتصور خيالي لأشباح الحرب والصراع.
نعم الوساطة الحميدة باتت مطلباً ملحاً ليس لإعادة الثقة فحسب، بل لبناء منظومة إقليمية تكون مظلة للأمن الخليجي القائم على شراكة حقيقية تهمش الخلافات وتحترم حق الجميع فيها وتعظم المصالح المشتركة، لاسيما في ظل تراجع اهتمامات الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهذا الإقليم الذي سيتحول إلى أبنائه فقط كما كان الوضع قبل ظهور النفط.
الفهم الثقافي المتبادل يعتبر أيضاً أحد الشروط الأساسية لعصرنة العلاقات الإيرانية الخليجية، فمع الأسف الشديد، وأيضاً نتيجة للتعصب المذهبي والعرقي، مازال الكثير في الخليج يختزلون الإيرانيين في النماذج التي عاشت بينهم من الطبقة الفقيرة كالخباز والبقال وعامل البناء، ومازال الإيرانيون يرون في شخصية الخليجي مجرد أمراء يلعبون في الفلوس أو مجموعة من الأعراب على الأبل في الصحراء. إيران اليوم هي بلد الجامعات العريقة التي وصلت فيها جامعة شريف صنعتي إلى مستوى جامعة هارفرد في علم الكمبيوتر، وهي دولة صناعية بلغت الفضاء الخارجي، وشعب مثقف إلى حد كبير جداً، وفي المقابل تحولت “الخليج” إلى عواصم عالمية، وتدير مشاريع عملاقة في أكبر المراكز والمدن العملاقة في التجارة والمال، وقد حولت الصحراء القاحلة إلى واحدة من المدنية الحديثة والخدمات العامة وبشعب منفتح على العالم الخارجي ونخبة من أهل العلم والفن في كل الاختصاصات.
لنتصور الاستثمار في مثل هذه القطاعات والتعاون من أجل مصلحة هذين الشعبين، بدلاً من سياسة العرب والعجم والشيعة والسنة التي لايزال البعض يجترها في مرض نفسي لم يجلب لنا سوى التخلف والفرقة، فهل تجلب لنا زيارة سمو الأمير من طهران أخبارا تكون خيلي خوب؟!