يتعرض عدد من شباب وعناصر المعارضة للملاحقات الأمنية ذات الطابع السياسي بتهم أغلبها ملفق ومخالف للدستور، وهذا مؤشر ذو دلالة على تدهور الوضع السياسي الأمر الذي يحتاج إلى معالجة سياسية عاجلة قبل أن تنزلق الأمور في طريق وعر سياسياً سيكون من المستحيل بعده الحديث عن الاستقرار السياسي وتحقيق التنمية الشاملة.
والسؤال الملح هنا هو ماذا يا ترى فعل الشباب المخلصون لكي يلاحقوا سياسياً ويعتقلوا وتُساء معاملتهم وتقيّد حرياتهم وتفرض عليهم كفالات مالية باهظة قبل إدانتهم من المحكمة وكأن الحجز والحبس الاحتياطي والكفالات المالية قد تحولت إلى عقوبات بدلاً من كونها إجراءات احترازية ضمن شروط وضوابط محددة، وهو ما قد يُفسر بأنه محاولة حكومية لإدخال السلطة القضائية كطرف في النزاعات السياسية؟!
هل يستحق الشباب الوطنيون المخلصون الملاحقات الأمنية لأنهم يطالبون بالإصلاح السياسي والديمقراطي من أجل بناء وطن دستوري ديمقراطي يتسع للجميع ويسود فيه القانون وتتحقق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بعد أن سئموا من الكلام الإنشائي المرسل حول الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات الدستورية بينما الواقع عكس ذلك تماماً؟!
أتقول إنه القانون؟! كلا بالطبع وألف كلا… فالشباب الوطنيون المخلصون هم أول من يطالب بتطبيق القانون وسيادته، وهم ليسوا مجرمين ولا يريدون الانقلاب على نظام الحكم، كما أنهم لم يسرقوا الأموال العامة، ولم يبيعوا لحوما فاسدة، ولم تتضخم حساباتهم المصرفية بأرقام فلكية، ولم يفسدوا الحياة السياسية، ولم يستغلوا وظائفهم العامة ونفوذهم للتكسب غير المشروع، ولم يحصلوا على مناقصات مليونية مشبوهة! بل إن كل ما عملوه هو أنهم ضحوا بوقتهم وجهدهم واستقرار أسرهم للمطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي من أجل المحافظة على النظام السياسي الذي وضع أسسه دستور 1962 وتطويره ليواكب منطق العصر.
أضف إلى ذلك أننا جميعاً بتنا نعرف أن القانون لا يطبق على الجميع، مع الأسف الشديد، وأن هناك تعسفاً وانتقائية في تطبيقه والشواهد والأدلة أكثر مما يحصى، إذ يكفي فقط أن تطلع على ملف قضية المرحوم محمد غزاي الميموني أو تقرأ تقارير ديوان المحاسبة أو صحيفة الاستجواب الأخير في المجلس المبطّل الذي وجّه إلى وزير المالية لتعرف أن القانون لا يطبق على المتنفذين داخل الحكومة وخارجها.
أخيراً وليس آخراً، فلا أحد بإمكانه أن ينكر أن هناك غضباً شعبياً من تردي الأوضاع العامة يُعبّر عنه بشتى الوسائل السلمية، وأن هناك أيضاً خلافاً سياسياً حاداً فجّره مرسوم الصوت الواحد، وكما هو معروف فإن الغضب الشعبي والخلاف السياسي لا يمكن حلهما بالملاحقات الأمنية، بل بالمبادرات السياسية الجريئة التي لن تنجح ما لم تتوقف الملاحقات الأمنية على الفور ويتم إلغاء القضايا السياسية كافة التي رفعت ضد الشباب والسياسيين، وهذا هو المطلوب الآن دون تأخير.