نحن في الكويت اعتدنا على القمم الخليجية والعربية، ونرحب بها ونستقبل وفودها على العين والراس ونسعد بهم في بلدهم الثاني الكويت، لكن، بما أن الكويت قد تبنت دور الأخ الذي دائماً ما يجمع إخوته للتفاهم والتصالح، أليس من الأجدر أن تجهز نفسها لهذا الدور؟ من غير المعقول، أن تتكرر الاستضافات فيختنق البلد ويتكوم البشر وسياراتهم فوق بعضهم بطريقة مأساوية وعلى مدى أيام عدة. نحن بلد صغير، مزدحم “خلقة”، طرقه السريعة بطيئة وأحياناً متوقفة تماماً، شوارعه الداخلية مشلولة وخصوصاً في أوقات الذروة، وأما مواقف سياراته، حيثما كانت، فهي أمنية عزيزة للسائق، تراه فور اقترابه من محطة نزوله يقرأ كل ما يحفظ من آيات ويسمي ويبسمل ويحوقل لربما لاقاه الحظ وابتسم له بموقف صغير ولو فوق رصيف “يدفس” فيه سيارته.
هذه الحال تتضاعف أضعافاً مضاعفة مضعفة للصبر عند استقبال الوفود والزوار، وبودي لو أن مسؤولاً فاخراً يحاول أن يذهب مشواراً ملحاً في أيام استقبال الوفود، سيصعد سيارته فاخراً ويصل هدفه فقيراً ثائراً وقد كره نفسه وانقلب عليها. هناك حلول بما أن الكويت هي بيت العائلة الذي يجمع الأشقاء. جانب المطار هناك مساحات كبيرة يمكن أن ترتفع عليها الفنادق ودور الضيافة الفخيمة وقاعات الاجتماعات المهيبة، فتبقى منطقة الاستقبال معزولة، فمن جهة تصبح المحافظة الأمنية أسهل ومن جهة أخرى نعيش نحن حياتنا المزدحمة بطبيعتها دون أن تصبح خانقة مكروبة، وساعتها نستقبل ضيوفنا ووفودنا ليس فقط لفض النزاعات ولكن كذلك فضاوة، ندعوهم فنستأنس ببعضنا بعضا، سياحة اجتماعية يعني.
ولأنني تحدثت عن زحمة القمة، سيصبح هذا مقالاً فارغاً إن لم أتحدث عن القمة بحد ذاتها، وهي قمة “تخرط على قلوبنا بصلاً” وهي تعيد في المشاكل وتزيد في استحالة الحلول. قمة تدمع لها العين (ضحكاً أو بكاءً) بمواقفها ولقطات تصويرها التي انتشرت في الفترة الأخيرة، قمة أبيض وأسود، خالية من الألوان، بياض الدشاديش، وسواد البدل، ولا ألوان، لا نساء تلون المنظر وتغير الجوهر الذي يتكرر علينا ذاته منذ عرفنا القمم وعرفتنا.
تلك قمة لا تحتاج لقراءة أخبارها تفصيلاً، فالكلمات الرئيسية للقادة التي تعنونها الجرائد تعكس بالضبط مواقف الدول الملتقية، لا موقف زاد ولا رأي نقص، ولقد أخبرني والدي ذات يوم أنني إذا أردت أن أؤثر في موقف محتدم، فعليّ أن أبدأ بنقد نفسي علناً لكي أشعر الآخرين بالراحة، وبتواضعي وإنسانيتي التي يمكن لها أن تصيب وأن تخطئ. فلكي أشجع الآخرين على الوضوح، عليّ أن أبدأ بنفسي وأرفع السقف، عليّ أن أستمع لمن حولي وأواجه أسوأ ما فيّ، فإذا اجتمعت مع صديقات متخاصمات كن أو متصالحات لبحث شؤوننا الحياتية في مرحلة مهمة وحساسة من حيواتنا، فعلينا أن نلقي “بزواق” الكلمات جانباً، ونكف عن السلامات المكررة التي بكثرتها “تقل المعرفة”، علينا أن نكون واضحات وجريئات وراغبات فعلاً في التغيير. علينا أن نناقش حيواتنا في مجرى زمنها الحالي، نعترف بالتغيير في بيوتنا وفي الجيل القادم الذي لابد سيغير الكثير، وعلينا أن نتبعه لا أن نتابعه كمخبرات الشرطة السرية. علينا أن نكف عن جمل الكليشيه مثل “لن نسمح لأحد بالتدخل”، “ولن نقبل المساس بالأمن”، فنلتفت حقيقة لما تفعله كل منا في بيتها، ولطريقة معاملتها لأسرتها ومواقف أبنائها منها، فتصلح ما في الداخل، قبل أن تجتمع مع الصديقات في الخارج تحل مشاكلهن، وهي “بابها مخلع”. وكل الصديقات أبوابها تحتاج لتثبيت، أبوابها قديمة، تخطاها الزمن، فأبناء اليوم الذين يستخدمون هذه الأبواب غير أبناء الأمس. أبناء اليوم عنيفون، لا صبر لديهم ولا وقت فائض عندهم، “داخلين خارجين يرقعون” الباب فتهتز جدران البيت كله. فعلى كل منا أن تنتبه لباب بيتها وطبيعة أبنائها، للجيل الجديد الشديد، حتى تبقى الجدران صلبة متماسكة.
وإلى أن نلتقي في قمم جديدة، لنستمع إلى قصص قديمة، نبقى ندعو بتغير الأحوال وثبات الود والوصال.
“آخر شي”:
حكم أول بإعدام 529 من الإخوان المسلمين في مصر؟ هذا النظام القادم الذي سيكون صوت العدالة والحرية وحقوق الإنسان؟ ليس مهماً إن كان حكماً أولياً أو سيتم استئنافه، المهم أنه صدر في عهد ما بعد ثورة، وعدت أول ما وعدت إلى إنهاء التسلط والقمع والعنف. اسحبوا المناديل، فلم يبق للحكومات والأنظمة العربية سوى “تخريط البصل”.