ليست المشكلة في جدية مقترح شراء جنسية
لـ «البدون»، من عدمها وإن كانت جديتها كارثية بالتأكيد، المشكلة أبعد من ذلك، المشكلة في أجهزة دولة لا ترى حرجاً في الإعلان عن هذا الحل أصلاً، المشكلة في حكومة لا ترى المشكلة، المصيبة في إدارة لا تعي مصائبية مقترحها، مقترح ليس فقط مهيناً و«مسلِّعاً» للبدون الكويتيين، لكنه مقترح محطِّم للمنظومة الأخلاقية للكويتيين.
لم تظهر بعد مدى جدية اقتراح شراء جنسية جزر القمر “للتخلص” من “البدون” في الكويت، أتمنى أن تكون محاولة بائسة كسابقاتها لجس النبض، لكن، ليست تلك هي المشكلة، المشكلة تكمن في عقلية إدارية في البلد تُظهر فعلياً أسوأ ما فينا، تتحسس مواضع عنصرياتنا وتطرفاتنا وتضغط عليها، تجعلنا نبدو في أسوأ صورنا، تخرج الوحش الكامن في صدورنا، نحن في أسوأ حالاتنا كشعب تحت مظلة أفكار وحلول وإدارة مثل هذه.
كيف لدولة عصرية الإدارة، غنية المدخول إن لم تكن “فاحشته”، دولة وضعت اللجنة تلواللجنة والجهاز تلو الإدارة لتدرس قضية “البدون” ولتكوّن الإحصائيات وترتب التصنيفات، دولة قتلت الموضوع بحثاً ودراسة وتنقيحاً وتصنيفاً، أن تصل إلى حل “تزويري” لاإنساني مهين مريع مثل هذا؟ بعد ثلاث سنوات من عمر الجهاز المركزي بقيادة السيد الفضالة، وصل الجهاز إلى حل البطاقات الملونة الشبيه بأنظمة تلوين البشر العنصرية القديمة، ولأنه حل يعقّد المشكلة ولا يحلها فعلاً، انهزم حتى قبل تنفيذه، ليأتي مقترح شراء جنسية في سنته الرابعة.
نحن نعلم أن المقترح أتى من اللواء مازن الجراح، لكننا لا ننسى أنه في مقابلة سابقة له عندما أتى إلى ذكر الموضوع كان قد قال إنه قيد التنفيذ وإن السيد الفضالة ينتظر موافقات وإجراءات إدارية، لأنه لا يبتغي الولوج في خطة ليست “محكمة” قانونياً، وقتها كتبت أنا مقالاً شاكياً من تصريحات الحكومة وأنها تنطق أحياناً بلا تفكير يوقعها في مشاكل محرجة، فاتضح، ويا لسذاجتى، أن الموضوع مدبر بليل وليس زلة لسان، مؤامرة جذورها قديمة ومحبكة لصفقة سريعة نتخلص بها من هذه “المشكلة”. دولة لديها أموال كثيرة وعنصريات كثيرة وإدارة ضعيفة ومنطق مغيب، فما هي النتيجة؟ نشتري جنسيات ونحل المشكلة، بفلوسنا يا حبيبي.
ليست المشكلة في جدية هذا المقترح من عدمها، وإن كانت جديتها كارثية بالتأكيد، المشكلة أبعد من ذلك، المشكلة في أجهزة دولة لا ترى حرجاً في الإعلان عن هذا الحل أصلاً، المشكلة في حكومة لا ترى المشكلة، المصيبة في إدارة لا تعي مصائبية مقترحها، مقترح ليس فقط مهيناً و”مسلِّعاً” للبدون الكويتيين، لكنه مقترح محطِّم للمنظومة الأخلاقية للكويتيين، مقترح يقول لهم مثل هذا التفكير مقبول، مقترح يفتح باب الحوار بينهم حول موضوع لا أخلاقي، يجعلهم يتداولونه ويتناقشون فيه، وفي هذين عيب كبير أصلاً.
أنتم يا حكومة تخرجون أسوأ ما فينا تستعرضون أسوأ نماذجنا، وبعد أن صرحتم مراراً وتكراراً، على لسان السيد الفضالة، بوجود إثباتات انتماء وجنسية لما يزيد على 67 ألفاً من البدون لديكم، تقولون إنه بالرغم من هذه الإثباتات ستشترون لهم جنسية أخرى، فالغاية تبرر الوسيلة، أنتم تدفعون بأياديكم في صدورنا لتستخرجوا إنساناً كويتياً أنانياً عنصرياً لا يقف عند منطق أو إنسانية أو مبدأ ليحقق غرضه، فما دامت الأموال موجودة، فكل شيء قابل للشراء وكل شيء قابل للبيع، هذا، والكويت هذه السنة، مركز إنساني.
إنها كارثة، المقترح بحد ذاته، التفكير فيه، التصريح به، محاولة مناقشته، إنها كارثة مبيدة للشعوب، فلا مبيد لشعب مثل عنصرياته، إنه درس تاريخي عرضه علينا الزمن مراراً وتكراراً، لكن… الفلوس تعمي.