جميل أن يوافق مجلس الوزراء على توصية لجنة الشؤون القانونية بمشروع قانون يقضي باستبدال كلمة خادم بعبارة عامل منزلي في كل نصوص القوانين المعنية، فهذا الإدراك، إن كان كذلك، لأهمية اللغة ومدى تأثيرها على الوعي واللاوعي عند المتلقين هو على درجة كبيرة من الأهمية والحاجة للتفعيل وإن أتى متأخراً، فاللغة التي نستخدمها والكلمات والتعابير التي نوظفها هي في الحقيقة تشكل أفكارنا بل نمط حياتنا، فهي انعكاس للحياة وفي ذات الوقت مُشكل لها، أي أن لغتنا تحكي حكايتنا وتفشي عن طبائعنا وتوجهاتنا حتى في أدق الدقيق منها، وهي في ذات الوقت تشكل عقول القادم من أجيالنا حاملة لهم التراث والأيديولوجية والطبائع والإيمانيات. لذا، تغيير المفردة رسمياً هو خطوة جيدة، لكنه سيظل تغييراً شفوياً إذا ما لم تصحبه قرارات فاعلة تحوله إلى “عملي”.
فبقرار بسيط تغير اللفظ من خادم إلى عامل، ولكن تغيير شعور الناس وتفكيرهم وفهمهم يحتاج لما هو أكثر بكثير. سيبقى العامل خادماً في المفهوم الكويتي طالما استمر نظام الكفيل الذي يقنن لعبودية مقنعة ويعطي للكويتي الفرد سلطة على غير الكويتي، وكأن الأول هو قانون قائم بذاته، كأنه سلطة قضائية تحكم في حياة الآخر ثم سلطة تنفيذية تثيب وتعاقب. سيبقى العامل خادماً طالما غاب القانون الذي يحميه، فيعرضه لبطش مخدومه، ولتشغيله ساعات لا محدودة في اليوم ولحرمانه من حقه الأساسي في الإجازة الأسبوعية ولفرض لباس معين عليه إن كان الديني، حيث تحجب بعض العائلات عاملاتها قسراً، أو كان الطبقي، حيث تفرض بعضها الآخر زياً موحداً يفرق العاملة عن بقية أفراد المنزل. سيبقى العامل خادماً طالما أن لا سبيل له للشكوى والتظلم من قهر مخدومه، وحتى إن فعل، فستواجهه شبكة علاقات كويتية سيعلق بها كما الفراشة الصغيرة في شبكة العنكبوت، فكلنا يعرف حق المعرفة أن العامل الذي يشتكي في المخفر ينتهي به الأمر لأن ينقلب إلى مذنب، فيضرب ويهان ويحبس ويهدد، وإذا كان امرأة، فقد تتعرض لما هو أكثر وأبشع، ثم يسوى الأمر بترحيله فلا هو من عمله ولا هو من ماله ولا هو من كرامته.
إن قراراً جيداً مثل هذا لا جدوى من جودته إن لم يوضع محل تنفيذ حقيقي، إن لم ينعكس تغييراً جذرياً في نظرة الإنسان الكويتي للطبقة العاملة، وهذه تتغير إذا انتهت سلطة الكويتي بكويتيته التي تبيح له التحكم في الآخرين واستخدام وسائطه ومعارفه لقهرهم ومعاقبتهم و”تسفيرهم”، وهو التهديد والعقوبة المفضلان عند الكويتيين تجاه من يختلفون معه من غير بني جنسهم. لابد لنظام الكفيل أن ينتهي، ولابد لقانون متين يتعامل مع خصوصية حالة العمالة المنزلية والظروق الاستثنائية لوجودهم المستمر في المنازل التي هي بيئة شديدة الخصوصية والغموض ويصعب إثبات أي ظلم أو تعنّت يتعرض له العامل فيها، أقول لابد من قانون متين يتعامل مع هذه الظروف الحساسة جميعاً بحسم ووضوح، كما ولابد من رفع الأجور لتصل للحدود الإنسانية الدنيا على الأقل، فالأجر بحد ذاته إشارة ضمنية على أهمية احترام الإنسان وعمله، وتذكير بأن هذا الإنسان، وإن كان عاملاً في المنزل ينظف الحمامات ويغسل الملابس ويطبخ الطعام، هو موظف، تحكمه بنا ما يفترض أن تكون قواعد واضحة حول ساعات العمل والحقوق والواجبات، والأهم من كل هذا وذاك الاحترام الإنساني المفترض في أي علاقة اجتماعية أو عملية.
هذا الاحترام الحقيقي لإنسانية العامل المتساوية تماماً وإنسانيتنا هو ما ينقص فكرنا الجمعي فعلاً، حيث استقرت هذه التفرقة في عقولنا وعميقاً في ضمائرنا حتى عدنا فعلياً نراهم غير مكتملي البشرية، ولربما أكثر ما يدلل على ذلك أن الكثير من السيدات المحجبات لا يتهيبن خلع الحجاب أمام العامل غير الكويتي، وكأن “أجنبيته” تقلل من أهليته الإنسانية. في بيوتنا، لا نتصور أن هذه العاملة التي نغير اسمها بما يناسب نطقنا، والتي نلبسها لباساً يجعلها شبه خفية عن أعيننا، فنتكلم عنها في وجودها، ونشتكي متاعبها على مسامعها، ونستمتع بالحياة أمام ناظريها المحرومين، لا نتصور أن لها مثل ما لنا من آلام وآمال وأحلام، من رغبات وتطلعات، من نفس تُجرح وقلب يحب، يختفي كل ذلك في طيات زيها الموحد، الذي يجعل منها آلة كما آلاف الآلات بيننا.
لا تتغير هذه الصورة بقرار واحد معزول، وإن كان قراراً جيداً، فلابد هنا من حملة تغيير جذرية كاملة، تبدأ من الكلمة، وتمتد إلى القانون، وتتطور إلى مواد في المناهج الدراسية للتثقيف بحقوق الإنسان، وصولاً إلى أعماق نفوس الناس، ولحين تحقق ذلك لابد من قانون حاسم وسريع يحمي العمالة من بطش العلاقات والوساطات، ولابد من إلغاء نظام الكفيل المؤزم المشوه لصورتنا غير المحتملة المزيد من التشويه أصلاً، فإلى أين الآن بعد خطوة تغيير الكلمة؟