لا يمكن أن يكون الخلاف الفكري مع جماعة الاخوان المسلمين مدعاة لتجريمها وحظر أنشطتها في الكويت طالما لم يمتد الفكر الداعي لها إلى الدعوة للقيام بأي من الجرائم الماسة في أمن الدولة الدخلي أو الخارجي أو حتى لارتكابها أية مخالفات تمثل جرائم يعاقب عليها القانون سواء بمخالفات لقانون غسيل الأموال أو حتى بدعم الإرهاب أو حتى بحيازة الأسلحة والذخائر، ومن دون وقوع تلك الجرائم فلا يمكن تجريم فكر جماعة الاخوان المسلمين أو فكر غيرها من الجماعات أو التيارات السياسية لمجرد الاختلاف معها مادامت تعمل وفق المسموح به قانونا أو دستورا!
الدعوات إلى تجريم الأفكار وإخضاع معتنقيها إلى عقوبات بالسجن أو الغرامة أو المصادرة هي دعوات لتقييد حريات الفكر والرأي والتعبير عنها وهي حريات كفلها الدستور بالعديد من الضمانات لكونها من الحقوق اللصيقة بالأفراد وبالتالي فلا يجوز للسلطة التنفيذية عبر أية قرارات كانت ولا حتى المشرع العادي ممثلا بمجلس الأمة إصدار قوانين تعمل على تقييدها أو الحد منها لأن مثل ذلك التقييد يعد انتهاكا للمبادئ الاساسية التي يقوم عليها الدستور الكويتي.
وفي ذلك تحدثت المذكرة التفسيرية للدستور عن تحقيق المزيد من الضمانات (الحقوق والحريات) قائلة «وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية، تنطوى النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة، وهو ما اشتهر به النظام الرئاسى في بعض دول أميركا اللاتينية، وما حرص الدستور على تجنبه وتجنيب الكويت أسبابه: «كما وقعت الكويت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان وبالحقوق المدنية للأفراد ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وجميع تلك الاتفاقيات التي أصبحت من القوانين الداخلية في الكويت تؤكد حق الفرد في اعتناق ما يريد من أفكار وآراء مهما كانت.
ليست تلك القواعد الدستورية والقانونية التي تمنع الكويت من تجريم فكر جماعة الاخوان المسلمين في الكويت بل حتى القضاء الكويتي ممثلا بقضائه الجنائي وعبر حكم نهائي رفض محاسبة أفراد إحدى الجماعات الدينية المرتبطة بالعمل السياسي وهو ما سمي بحزب التحرير الكويتي على أفكارهم الداعية الى هدم النظم الاساسية بحسب تقرير الاتهام المقدم من النيابة العامة لأن المحكمة لم تر في الافكار المطروحة من المتهمين ما يعد مخالفا للقانون وان العمل على تطبيق الشريعة الاسلامية هو منهج سارت عليه الكويت بإنشاء اللجنة العليا لتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية فضلا عن أنه لا جريمة إن كان هناك طرح لموضوع ديني بحسب ما ينص على ذلك قانون الجزاء بأسلوب متزن وهادئ وثبت حسن النية لدى المتهمين بطرحه وانتهت المحكمة بتبرئة جميع المتهمين، على الرغم من أن التحريات الأمنية وإعترافات جزء من المتهمين بتحقيقات النيابة انتهت إلى أن أهداف هذا الحزب تقوم على تطبيق الدولة الاسلامية وتحقيق الشريعة الاسلامية كاملة، وتطبيق نظام الخلافة الذي كان مطبقا وغيرها من الافكار الداعية لإلغاء فكرة الدولة المدنية الحالية الى تطبيق دولة أخرى بحسب أفكار الحزب.
أخيرا فإن تجريم أي طيف سياسي أو جماعة مدنية لمجرد الاختلاف مع أفكارها ومعتقداتها مهما كانت أمر يعيب الدولة المدنية ويسيء الى دستورها ويجعل من الحقوق والحريات الواردة فيه بمثابة الحبر على الورق ومن الاتفاقيات الموقعة عليها والمصدق عليها برلمانيا بمثابة المجاملة الدولية، والمطالبة هنا بعدم تجريم أي طيف سياسي أو مدني هي مطالبة باحترام الدستور والقوانين وأحكام القضاء لا شيء آخر لأن المطالبة اليوم بتجريد أي جماعة أو تيار من حقوقه الطبيعية التي كفلها له الدستور هو بمثابة إقرار ضمني بسماحك لتجريدك في الغد من ذات الحقوق فوأد الجماعات السياسية اليوم طالما لم تخالف القانون هو مدعاة لوأد غيرها وغيرها في الغد وهو ما يرفضه الدستور ولا تقبله القوانين ولاحتى أحكام القضاء!