حين سألني صاحب دكان “البنجر” القريب من مكتبي ما إذا كانت هناك طريقة للحفاظ على حقوقه في الدكان، فهو سوري والرخصة التجارية، التي لا يعترف القانون بغيرها، باسم كويتي، تذكرت، من جديد، أمراض الريع، فمثلاً صاحب الرخصة الكويتي يتقاضى مبلغاً شهرياً ثابتاً مقابل استعمال اسمه في رخصة “البنجر” أو بالأصح استغلال جنسيته الكويتية، فتذكرت ما كتبته شالروت ليفانز عن تلك الأمراض في بحث “بالإنكليزية” بعنوان “الدولة الريعية وبقاء الأنظمة الملكية المطلقة”.
وهنا أترجم من هذا البحث بعض الفقرات، إذ تقول ليفانز إن من مخاطر العقلية الريعية التي عمادها أن الثروة تخصص لصاحبها من غير عمل، أن صاحب الريع يتوهم أن دخله أبدي والزيادة عليه لن تقف عند حد، وبذلك تصيبه حالة من الجمود والرضا بالحال، والرغبة في الإبقاء على الوضع القائم دون تغيير، لغياب الحوافز، وتسيطر على روحه عقلية الخمول والتواكل، وتضيف الكاتبة عن نمط الإنتاج أن تقسيم العمل الأساسي قوامه التفرقة بين فريقين هما الأجانب والمواطنون، فالأجانب يملأون فراغ الأعمال التي لا يقوم بها المواطنون، وهي معظم المهن والأعمال الحرفية (كحال جارنا البنجرجي، فهي أعمال شاقة فيها تعب ومعاناة)، بينما تكون عوائد الريع للمواطنين كأرباب عمل، وفي تلك الدولة الريعية هناك فئة قليلة تقوم بالإنتاج، بينما تقوم بقية الفئات بتوزيع الريع واستهلاكه.
في تلك الدولة الريعية، التي لا توجد فيها ضرائب، يتم إلحاق المؤسسات الدينية والقبلية بجهاز الدولة التي يهيمن فيها الحكام على كل أمورها، وبتراث تلك الدولة التاريخي القبلي يتم تأسيس الولاءات السياسية للنظام عبر العطايا المادية والمنح النقدية، فمثلاً، في اليمن، الذي يغيب عنه ثروة النفط، يصبح من الصعب السيطرة على القبائل والطوائف لغياب “العطايا” التي يمكن أن يمنحها النظام لأمراء تلك القبائل.
في الدولة الريعية التي يسود فيها القطاع العام يصبح من الصعب التحول للديمقراطية (تعد الكويت استثناءً تاريخياً، طبعاً هذا الاستثناء تقلص كثيراً في السنوات الأخيرة)، فتلك الدولة لم تستوعب الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتتساءل الكاتبة ما إذا كان يمكن تفكيك النظام الريعي، وتجيب أن هذا صعب جداً مع هيمنة السلطة الحاكمة على مصدر الثروة الوحيد وهو النفط، لهذا (لم تقله الباحثة) يردد الكثيرون هنا دائماً أن الشيوخ أبخص، السبب طبعاً هو “الريع” لا “البخاصة” (يعني العلم والمعرفة).