لافت حجم المساحة التي تحتلها روسيا في استراتيجية بشار الأسد. يبدو كثير الاطمئنان إليها. هو يؤكد أن الروس، بما يفعلونه، لا يدافعون لا عن سوريا ولا عن شعبها ولا عن نظامها ولا عن رئيسها. هم يدافعون عن أنفسهم. يستذكر لقاءً سبق أن عقده عام ٢٠٠٥ مع الرئيس فلاديمير بوتين. وقتها بادر الرئيس السوري مضيفه بالتعبير عن احساسه بأن الحرب الباردة لا تزال تدور رحاها. وافقه بوتين، عارضا المسألة من زاوية مختلفة، قال سيد الكرملين «إنها حرب صحيح، لكنها حرب حضارية بين الشرق والغرب». قناعة أخرى يظهر أنها تتحكم في عقل الرئيس السوري. يرى أن أمن سوريا واستقرارها تحميهما السياسة، أكثر من الترسانة العسكرية. يعتقد بأن التوازن الدولي هو الضمانة الأمثل. ثلاثة فيتوهات روسية صينية خلال عمر الأزمة السورية خير دليل. حتى الترسانة الكيميائية لا يأسف عليها. يراها سلاحا ردعيا فات زمانه لثلاثة اسباب: أولاً، تطوير قوة الردع الصاروخية السورية، الممكن استخدامها منذ اللحظة الأولى للحرب، أنهى ضرورة الكيميائي، الذي لا يستخدم إلا كرصاصة أخيرة، عندما يستخدم العدو ترسانته النووية. ثانيا، جرى تقدم كبير في العقدين الماضيين في طرق استيعاب ومعالجة آثار السلاح الكيميائي. فعاليته العسكرية لم تعد ذات جدوى فعلية؛ السلاح الكيميائي له أثر معنوي، إذ إننا نرى أنه كلما ازداد التوتر توزع اسرائيل الاقنعة الواقية على مواطنيها الخائفين، لكن عندما تستخدم تلك الأسلحة، يمكن علاج آثارها بسهولة. هي حكاية داء ودواء. والدليل خمسة جنود سوريين أصيبوا بهجمة كيميائية للمعارضة عولجوا بحقن وعادوا الى ساحة المعركة بعد يومين. من هنا، يقول الاسد، إن سوريا أوقفت تصنيع الاسلحة الكيميائية في ١٩٩٧ واستعاضت عنها بالاسلحة التقليدية التي يراها العامل الحاسم في الميدان. يوضح أنه أقام البنية التسليحية لجيشه على الصواريخ. «تكفي السيطرة بالنار على مطارات إسرائيل لتشلها». معروف أن قوة اسرائيل بسلاحها الجوي. أما ثالثاً، فلأن الحرب الآن داخلية.
لا شك في أن هناك خسارة معنوية وسياسية في تسليم الكيميائي السوري، يقول الأسد. في عام ٢٠٠٣ طرحت دمشق اخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. كان الكيميائي السوري ورقة تفاوضية ثمنه النووي الإسرائيلي. اليوم تغير الثمن. جرى الاتفاق على تسليمه في مقابل تجنيب سوريا العدوان. حتى التصنيع العسكري التقليدي، الذي كان موجها ضد إسرائيل، بات موجها لعدو الداخل، وفي هذا خسارة أيضا. وعن فوز منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بجائز نوبل للسلام، علّق الأسد ممازحاً: «هذه الجائزة كان يجب أن تكون لي».
المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية