بعد حربها على أفغانستان والعراق أيقنت أمريكا والغرب بأن الحروب المباشرة والتدخل العسكري غير مجد ويكلفها الكثير من الخسائر المالية والبشرية ، الأمر الذي جعلها تبحث عن بديل لها لاستمرار سيطرتها على العالم وخصوصا الشرق الأوسط فجاءت التقارير والأبحاث بما يسمى بالحرب المماثلة، وهي الجيل الرابع من الحروب حيث تتم السيطرة على الدول من خلال افشال الدولة دون الحاجة لتدخل عسكري مباشر ..
حين بدأ الربيع العربي يحل في ربوع الشرق الأوسط أيقنت دول الغرب بأنها لا تستطيع إيقافه أو منعه من الانتشار خصوصا وأنها أمام شعوبها تتدعي الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في إدارة شؤونها، كما أنها تعلم بأنها لا يمكن ان تفعل شيئاً أمام الشعوب الثائرة فعمدت لاستخدام الجيل الرابع من الحروب وهو إفشال الدولة ومؤسساتها من خلال الحروب الأهلية وانقسام الشعوب على نفسها وهو ما حدث في سوريا وما سيحدث في مصر ما لم يعي الشعب المصري من مخاطر ما يحاك له ..
جاء مخطط تفتيت وتوهين المنطقة تبعا لما رسمه البريطاني الأمريكي المتصهين برنارد لويس بتكليف من البنتاجون وتحفيز بريجينسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، وهو مخطط يرى أن خرائط تقسيم سايكس بيكو لم تعد تكفي، وأن العرب والمسلمين «أشرار وهمج» (على حد تعبير برنارد لويس)، ولابد من تدميرهم وانهاك قواهم من خلال إشعال الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية فيما بينهم لافشال دولهم ومؤسساتها دون أي غزو عسكري خارجي، ولا حتى حاجة لإسقاط أي من هذه الدول، بل تركها قائمة بحدودها المعروفة ، ما يشكل إنهاكا لا نهوض لأحد فيه، بمن فيهم من يعتقد أنه الفائز بالسلطة ..
ويقول البرفسور ماكس مانوارينج الأستاذ الباحث في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بمحاضرة له في معهد دراسات الأمن القومي باسرائيل بعد التجربة الحالية وخلال العشرين عاما الماضية وجدنا أن الحروب التقليدية تكلفنا الكثير من الأرواح والمال وأن الهدف من الجيل الرابع من الحرب غير المماثلة ليس لتحطيم مؤسسة عسكرية أو القضاء على قدرة أمة من شن مواجهة عسكرية بل الهدف هو الإنهاك والتآكل ببطء وإرغام الدولة المستهدفة على تنفيذ إرادتك ومخططك والتحكم أو الوصول الى نقطة التأثير في عدوك ، والقاسم المشترك في كل هذا هو “ زعزعة الاستقرار “ وهي ليست قوة النيران والأسلحة كما كان في السابق بل هي القدرات العقلية الذكية التي من خلالها لاحاجة لك لخوض حرب مدمرة بل فقط تجبر مواطني دولة العدو لخوض الحرب فيما بينهم لخلق فكرة “ الدولة الفاشلة “ وهنا يمكنك التحكم في الأقليم والناس في كيان سياسي معترف به من خلال الدور الذي تقوم به مجموعات عنيفة وشريرة ..
ويقول بأن الحرب هي الإكراه سواء أكانت غير قاتلة أم قاتلة كما اعتدنا في الماضي وهذا النوع من الحرب المماثلة يصنع لنا الدولة الفاشلة بعملية هادئة وبطيئة وغير مكلفة..
يعني بالعربي المشرمح :
لن يقبل الغرب أن نصنع لأنفسنا دولاً ناجحة وديمقراطية وحريات وسوف تعمل جاهدة على قتل الربيع العربي بتعاون مع مجموعات شريرة لا يهمها وطن ولا أمة ، وأنظمة بدأت تشعر بخطر هذا الربيع عليها ، وها نحن نرى اليوم هذا النوع من الحروب في سوريا والعراق ولبنان ومصر لإفشال الدولة وخلق حالة من عدم الاستقرار واقتتال أبناء الوطن الواحد من خلال صراعات عرقية وطائفية ومذهبية ليضمنوا أمن واستقرار بلدانهم ، فهل نعي هذا الخطر ونتداركه قبل فوات الأوان .