أفصحت الحكومة أخيرا عن قرارها بالطعن في النظام الانتخابي، وبالتحديد عدم دستورية المادة الأولى الخاصة بتوزيع الناخبين في الدوائر الانتخابية رغم أن وزير الإعلام ذاته الذي أعلن في مؤتمر صحافي قبل عدة أيام هذا القرار كان قد أكد سابقا وقبل شهر تقريبا (5 يوليو 2012) في مقابلة مع قناة “العربية” أن الانتخابات ستجرى على النظام الحالي “5 دوائر وأربعة أصوات”، نافياً أي نية لتعديل الدوائر أو نظام التصويت، وهو الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة أن حكم المحكمة الدستورية لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لعدم دستورية النظام الانتخابي، بل أشار إلى الخطأ الإجرائي في الدعوى للانتخابات الماضية الذي كان من المفروض أن يُصحّح وينتهي الأمر!
الأمر المستغرب أيضا أنه ليس هنالك منازعة، كما يقول أهل القانون، بين المجلس والحكومة حول النظام الانتخابي، فكيف تطعن الحكومة في قانون لا تنازع حوله، بل ليس هناك طرف مقابل للحكومة يدافع عن القانون أمام المحكمة الدستورية التي تفصل في المنازعات باعتبارها “الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح”، كما ينص الدستور مادة (173)، ناهيكم عن أن الحكومة هي ذاتها التي تقدمت بالنظام الانتخابي الحالي عام 2006، وأجريت على أساسه ثلاثة انتخابات عامة لم تذكر الحكومة خلالها إخلال توزيع الدوائر الانتخابية بمبدأي العدالة والمساواة التي اكتشفتها، ويا للعجب، فجأة؟!
من الواضح هنا أن الحكومة ترغب في استخدام حجة الشبهة الدستورية لكي تنفرد مستقبلا في تعديل الدوائر، وتتحكم بنتائج الانتخابات كيفما تشاء بعد أن أتت رياح الانتخابات الماضية بما لا تشتهي سفن الحكومة، بل إن وزير الإعلام قد أعلن صراحة أن الحكومة ستطعن في المادة الأولى فقط (توزيع الناخبين)، أي أن الطعن لن يتعرض لعدد الأصوات الممنوحة للناخب (4 أصوات من 10 أي %40 فقط)، والتي يعتريها هي الأخرى شبهة عدم الدستورية، بل سيترك ذلك للحكومة للتصرف به كيفما تريد!
وفي هذا السياق فإن بعض حسني النية يؤيد طعن الحكومة بدستورية النظام الانتخابي على أساس أن ذلك سيُحصن الانتخابات القادمة، لكنه ينسى أن الطعن في الوقت الحالي أي بغياب مجلس الأمة سيترتب عليه انفراد الحكومة بتعديل الدوائر ونظام التصويت (مرسوم ضرورة) أي التحكم بنتائج الانتخابات وتفصيلها حسب المقاس الحكومي الذي يقد يُخرج لنا مجلسا شبيها بالمجلس الوطني غير الدستوري من صلاحياته تعديل الدستور أو حتى نسفه وتفريغه من محتواه الديمقراطي.
ما الحل إذن؟ الحل وكما ذكرنا في مقال سابق هو عدم إطالة الفراغ الدستوري الذي تعانيه الدولة، وإدخال السلطة القضائية في الصراعات السياسية، خاصة أن قضية النظام الانتخابي قضية سياسية بحتة يجب أن يكون حولها توافق عام، وهذا يتطلب حل مجلس 2009 فورا والدعوة لانتخابات عامة على النظام الحالي، سيكون أحد المواضيع التي ستطرح خلالها هي الإصلاح السياسي على أن يطرح في أول جلسات المجلس القادم موضوع إصلاح النظام الانتخابي، خاصة أن الحكومة “متحمسة” الآن لإصلاحه وهناك الكثير من الاقتراحات الجاهزة التي سبق لعدد من الأعضاء تقديمها منذ 2006.
لكن ماذا لو طُعن بالانتخابات القادمة، وأقرت المحكمة الدستورية عدم دستورية النظام الانتخابي؟ في الوقت الذي يصدر فيه حكم المحكمة الدستورية سيكون المجلس قد أقر نظاما انتخابيا جديدا حوله توافق سياسي عام، وعلى أساسه ستُجرى الانتخابات القادمة، هذا بافتراض أن المحكمة الدستورية ستُبطل الانتخابات، حيث إن هناك آراء قانونية معتبرة تقول إن المحكمة الدستورية لم تتطرق أثناء نظرها لطعون سابقة لقضية عدم دستورية النظام الانتخابي الحالي.