البروفيسور طارق الحبيب ـ الإنسان الكوتي

يتشكل الانسان نفسيا بالجغرافيا التي يعيش فيها..فكل دولة من الدول يتميز شعبها بسمات نفسية معينة، بل ربما وجدت هذه السمات النفسية مشتركة في شعوب كل مجموعة دول متقاربة، وأحياناً تختلف وتتنوع نفسيات شعوب الدولة الواحدة عندما تمتد هذه الدولة على جغرافيا واسعة.
فاذا جئت الى السعودية مثلا رأيت انسان جدة يختلف عن انسان نجد وهما يختلفان عن أهل الشرقية وكذا الشمال والجنوب، فكل منطقة لها خصائصها، ولذلك كان لزاما على المسؤولين في عملية التنظيم الدعوي وحتى السياسي والأمني وغيرها ان يفطنوا للبعد النفسي المجتمعي، وأن يراعوا سيكولوجية الشعوب التي يتخاطبون معها ويعملون بين أفرادها وجماعاتها، وقد اخترت ان ابدأ مقالاتي في صحيفة الوطن بالحديث عن تفرد الشخصية الكويتية ليحافظ الكويتيون عليها بصفائها وروعتها، فهي من وجهة نظري احد أهم المكتسبات الحضارية للكويت وأهلها.
ان سيكولوجية الانسان الكويتي هي سيكولوجية – ما اسميه – رجل الفريج أو الحي، فهو يتميز أنه اذا اختلف مع أخيه فلابد من ان ينتصرا سويا، بخلاف بعض المجتمعات الأخرى، التي يفكر المرء فيها كيف يفوز على خصمه ويتغلب عليه بل ويطحنه لو استطاع، ففي لحظات الخلاف والاختلاف يصر الكويتي على ان يتميز، وأن ينتهي الأمر دوما بانتصار الطرفين.
ان المراقب للحالتين السياسية والاجتماعية في الكويت وما تتضمناه من أزمات وأحداث يرى بوضوح كيف يتشارك كل من الحكومة والشعب في المكاسب، تنتصر الحكومة وينتصر الشعب، لن ينتصر الشعب على الحكومة ولن تنتصر الحكومة على الشعب، بل ينتصر الطرفان دوما لأن سيكولوجية الفريج الأصلية تجعلهم يتشاركون الصعود سوية ويتشاركون النزول أيضا، وكم أتمنى ان يتمسك أهل الكويت بهذه الهوية المميزة وألا يستوردوا هوية غيرهم.
ومن جانب آخرٍ تقرأ التعايش العالي جلياٌ في شخصية انسان الكويت، ولذلك ترى نعومة علاقة السني بالشيعي في الكويت تفوق مناطق عربية كثيرة، ولا تكاد تفوقها الا ربما منطقة عمان، كما تجد في الكويت اليساري والاسلامي في الجامعة يتناقشان حتى تشعر أنهما على وشك العراك ثم يتناولان الغداء سوية على أنغام المزاح والنكات بينهما، بينما في بعض المجتمعات الأخرى حينما يختلف معك أحدهم اختلافا بسيطا فانه ينظر اليك بعين الشك ثم يتجهم وربما يقاطعك فترة من الزمن.
الكويتي له جمال خاص، فجماله أخذ شيئاً من نكهة الصحراء وشيئاً من نكهة البحر، فالصحراء تورث غلظة بعض الشيء، والبحر يورث نعومة زائدة، فالكويتي أخذ شيئاً من نعومة البحر وشيئاً من خشونة الصحراء وتشكل بهذه الطريقة، والكويتي اذا أتيت الى بنيته تجد عنده ثقة تلامس الغرور وليست من الغرور، وعنده تواضع يلامس الذلة وليس من الذلة في شيء، فهو يتأرجح بين هذا وهذا ويعزف رقيه سيمفونية خاصة، وكمختص نفسي ومحب للكويت أقول لأهل الكويت: لا تفقدوا سماتكم ولا تغفلوا عنها ولا تجعلوا الانفعالات سواء من الحكومة أو من الشعب تسيطر عليكم، العبوا بجوكر سمات الانسان الكويتي تجتازوا أزماتكم بصفاتكم، ولا تستوردوا غيرها، ففي بنيتكم النفسية ما سترون أثره باذن الله ان عشتم نفسيتكم فقط.
ان الأزمات في الكويت غالبا ما تكون اعادة ترتيب للأوراق لكن بأصوات مرتفعة، وقد تحدث فيها بعض الأخطاء، لكن من الطبيعي أثناء الخلاف وفي لحظات الانفعال حدوث الأخطاء، وكفى بنا ان تكون أخطاؤنا محددة، وكفانا ان نعرف أنها أخطاءٌ وأن يُعتذر عنها، فوجود الخطأ ليس معناه ان البلوى قد حلت، فكون الخطأ موجودا ومحددا مع اتفاق الأطياف كلها على أنه خطأ يعتبر نجاحا مجتمعيا عظيماُ.
ان على رواد الكويت ونخبها مسؤولية كبرى في تقديم النموذج الريادي لمجتمعهم، والريادة الحقيقة يحدد معالمها أمران، الأول ان يبدع الرائد في تخصصه، والثاني ان يبدع في ادارة الأزمات حينما تحدث له ولمجتمعه، وهنا يكون التطبيق العملي للريادة، ولذلك فاني أنادي بأن يدرِّب رواد العالم العربي الكرام أنفسهم على مهارات ادارة الأزمات، لأنهم ان نجحوا في ذلك زاد تأثيرهم الايجابي على مجتمعاتهم واستفادت منهم الشعوب والأمم والحكام، فالوطن منظومة متكاملة تحتضن الجميع وتتأثر بهم.