طهران فشلت في التعامل مع تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية
«أزمة العملة» تهدد بانهيار الاقتصـاد الإيراني
في سبتمبر وأوائل أكتوبر من هذا العام، دخلت العملة الإيرانية ( الريال)، في حالة من «السقوط الحر» لدى مقارنتها بقيمة العملات الرئيسة في العالم، وبالذهب، ويبدو أن الحكومة الإيرانية، وكذلك البنك المركزي الإيراني، عاجزان عن وقف تدهور قيمة العملة.
وأثلجت هذه الواقعة صدري إسرائيل والولايات المتحدة، الخصمين التقليديين لإيران، اللذين عزيا أزمة العملة الى نجاح العقوبات التي أصابت الاقتصاد الايراني بـ«الكساح» و«الشلل» والإصابة «في مقتل»، وغيرها من النعوت التي أطلقها المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون. وفي 30 من سبتمبر الماضي نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن وزير المالية الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، قوله «إن العقوبات على ايران، التي انطلقت العام الماضي، قفزت إلى مستوى جديد»، وإن الاقتصاد الإيراني «لم ينهَر ولكنه على وشك الانهيار»، ويضيف أن الإيرانيين «يعانون صعوبات اقتصادية كبيرة نتيجة للعقوبات»، وبالمثل في ايجاز صحافي يومي في الأول من هذا الشهر تبادلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند الحديث التالي مع الصحافيين:
سؤال: فقدت العملة الإيرانية نحو ربع قيمتها الأسبوع الماضي وحده، فهل الوزارة سعيدة بذلك؟ وهل يعكس ذلك فعالية العقوبات ضد إيران، وما وجهة نظرك؟ ردت فيكتوريا بقولها ان فهم الوزارة يتلخص في أن العملة الإيرانية انخفضت إلى أدنى مستوى تاريخي لها مقابل الدولار من خلال التداول غير الرسمي للعملات.
هذا الابتهاج والتباهي بنجاح العقوبات تلاشى عندما طرح الصحافيون السؤال نفسه لكن بصيغة مختلفة على وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، بعد بضعة أيام، إذ ردت كلينتون في مؤتمر صحافي حول مدى فعالية العقوبات في «إيلام» الشعب الإيراني بقولها «أعتقد أن الحكومة الإيرانية تتحمل المسؤولية عما يجري داخل إيران، وهي التي تتخذ القرارات الخاصة بها، وهذه القرارات لا علاقة لها بالعقوبات المؤثرة في الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، ولكن يمكن تدارك ذلك على المدى القصير إذا كانت الحكومة الإيرانية على استعداد للتعامل مع مجموعة (5+1) وبقية المجتمع الدولي بطريقة صادقة».
ما كانت تحاول كلينتون قوله على ما يبدو، أن أزمة العملة حدثت بسبب سوء إدارة الحكومة الإيرانية وليس العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران، هناك ايضا الكثير من التفسيرات المختلفة بشأن الأزمة الاقتصادية الأخيرة في إيران، لاسيما السقوط الحر للريال، الا أن الجزء الأكبر من هذه التفسيرات يركز على ما يبدو على تأثير العقوبات الصارمة المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة ـ حليفة اسرائيل ـ والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن عناد الحكومة الإيرانية، بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد، في التعامل مع العقوبات.
ويعتمد إلقاء المسؤولية على اي طرف من الأطراف على المنظور السياسي الذي ينظر من خلاله المحلل الى الأوضاع. معارضو نجاد يلقون باللوم عليه، فعلى سبيل المثال يعتقد رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، المنافس السياسي لنجاد، أن 80٪ من المشكلة في إيران تعود إلى سوء الإدارة و20٪ بسبب العقوبات. وبالمثل أظهر استطلاع لرأي الاقتصاديين الإيرانيين من قبل وكالة أنباء العمل الإيرانية في الثاني من أكتوبر ،2012 أنهم يلومون الحكومة الإيرانية على «تسونامي انهيار العملة».
وفي واقع الأمر اثارت السياسات الأخيرة للبنك المركزي، وكذلك وزارة المالية، حفيظة الكثير من الإيرانيين، فمع انخفاض قيمة الريال وارتفاع التضخم تبنى البنك المركزي مجموعة معقدة من أسعار الصرف: سعر صرف ثابت للدولار 12 ألفاً و260 ريالاً لأغراض استيراد بعض المواد الأساسية، وسعر السوق الحرة أو السعر العائم للسلع غير الضرورية، ومعدل يقل 2٪ عن سعر السوق الحرة للسلع المصنفة بين هذين المستويين، وعلاوة على ذلك أنشأ البنك المركزي في 23 سبتمبر الماضي «مركزاً لصرف العملة» يوفر الدولار بسعر السوق ناقص 2٪. الا ان هذا المركز فشل حتى الآن في تهدئة السوق بسبب عدم توفير البنك المركزي ما يكفي من العملات.
واجه الريال الإيراني متاعب جمة في العامين الماضيين، وظهرت أول أزمة رئيسة في سبتمبر من عام ،2010 حيث انخفض سعر الريال خلال يومين من 10 آلاف و850 إلى 13 ألف ريال للدولار، ثم تحسن ليصبح 12 ألف ريال مقابل الدولار.
الأزمة التالية للريال حدثت في سبتمبر من عام ،2011 عندما انخفضت العملة الإيرانية إلى 13 ألف ريال للدولار الواحد، ونتيجة لتدخل البنك المركزي في أكتوبر من عام 2011 ارتفعت العملة الإيرانية لتصل الى 10 آلاف و750 ريالاً لكل دولار، الا انها انخفضت في ديسمبر من عام ،2011 ومرة أخرى لتصل إلى 15 ألفاً و150 ريالاً للدولار الواحد.
في 18 يناير ،2012 ذكرت وكالة «فرانس برس» أن سعر صرف العملة الإيرانية انخفض الى 18 ألف ريال للدولار الواحد. وذكر التقرير أيضاً أنه تم استدعاء وزير الشؤون الاقتصادية والمالية، شمس الدين حسيني، ومحافظ البنك المركزي، بهماني محمود، أمام البرلمان الإيراني لشرح الوضع، وأنهما «وعدا بالعمل على كبح جماح سعر الصرف».
في 22 يناير ،2012 ذكرت وكالة «أسنا» الإيرانية للأنباء ان العملة الإيرانية انخفضت الى 20 ألف ريال للدولار الواحد، وفي اليوم التالي ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أن «سعر صرف الريال وصل إلى أدنى مستوياته اليوم ليبلغ 21 ألف ريال للدولار».
عدم استقرار
إن فرض عقوبات على إيران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، جاء نتيجة للضغوط الإسرائيلية، حيث أثرت هذه العقوبات سلباً في الاقتصاد الإيراني. وهذا ما يفترض ان تفعله هذه العقوبات «المعوقة»، «المشلة»، أو «القاتلة» من زعزعة للاستقرار الاقتصادي، وإلحاق الألم بالمواطنين، وإحداث حالة من الذعر وأعمال الشغب، وقلب نظام الحكم في إيران، وتنصيب الولايات المتحدة وإسرائيل حكومة صديقة لهما في البلاد، ولعل هذا هو السبب الذي جعل البعض، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يهدد إيران بشكل مستمر بعمليات عسكرية، وتهدف هذه التهديدات في الغالب لجعل هذه العقوبات أكثر قسوة وإيلاماً، وتهدف أيضاً إلى إيجاد أجواء من الخوف وعدم الثقة في القطاعات المالية والإنتاجية للاقتصاد الإيراني.
وقد أظهرت هذه الأزمة ان الحكومة الإيرانية والبنك المركزي الايراني غير كفؤين في التعامل مع تأثير هذه العقوبات، إذ يصرح بعض المسؤولين الإيرانيين في بعض الأحيان بأن العقوبات الأميركية الأوروبية هي بمثابة إعلان حرب اقتصادية على إيران، لذلك يمكننا ان نقول ان ايران تتعرض لحرب اقتصادية تنجم عنها الضغوط التضخمية الراهنة، الا ان العديد من المسؤولين الإيرانيين على أعلى مستوى من السلطة يرفض قبول هذا الافتراض، وظل البعض يتفاخر بعدم فعالية العقوبات، خصوصاً المسؤولين العسكريين الإيرانيين، الذين ظلوا يتحدثون مراراً وتكراراً عن هجوم عسكري وشيك على إيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، أو كليهما، وكيف أن ايران يمكنها ان تصمد أمام مثل هذا الهجوم وتستطيع الرد عليه. مثل هذا الكلام في الواقع تستغله إسرائيل وحليفيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأغراضهم الخاصة.
تواجه ايران عقوبات قاسية لا ترحم وتهديدات بالحرب، وإيجاد حالة من عدم الاستقرار المالي، وقد يتطور هذا بسهولة إلى أزمة اقتصادية ضخمة واضطراب تليه اضطرابات اجتماعية، وما لم تأخذ الحكومة الايرانية هذه العقوبات على محمل الجد، وتتخذ إجراءات جذرية لتهدئة السوق، سيستطيع خصوم إيران تحقيق ما يسعون الى تحقيقه.