قاد طائرات مختلفة ونجا من حوادث خطرة
أحمـد النقبي.. 21 عاماً من «التحـليق» الحربي
بأكثر من 1000 ساعة ولمدة تتجاوز 19 سنة من الطيران والتحليق بطائرات «الهوكر هنتر» القديمة، و«الميراج الاستطلاعية» والـ«جي 91» المقاتلة، لم يكن يتوقع أحمد بن عسكر النقبي أن يكون أول طيار عسكري أو حربي الشارقة، وثالث طيار على مستوى الدولة، بعد زملائه ممن سبقوه لدراسة الطيران العسكري، وهم المرحوم أحمد خميس الهاملي، والشيخ محمد بن علي النعيمي، الذي يشغل حالياً منصب رئيس دائرة العدل في عجمان.
تدرج النقبي بعد تخرجه في الكلية العسكرية في الكويت، التي انتقل إليها صغيراً مع عائلته عام ،1958 في مناصب عدة، منها ملازم طيران بعد التحاقه بقوات الدفاع الجوي في أبوظبي، حتى صار قائداً لمركز عمليات القوات الجوية، ثم قائد سرب، وصولاً إلى منصب قائد قاعدة الشارقة الجوية المعروفة حالياً بمتحف المحطة، حتى عام ،1991 عندما تقاعد برتبة مقدم ركن طيار.
قصة النقبي مع الطيران العسكري تضمنت جولات استطلاعية، وطلعات رقابية على الحدود، ومهام أخرى، منها مشاركات حربية لا يفضل النقبي الوقوف عندها أو حتى استرجاع ذكرياتها، إلا أن مخزون الذكريات التي تعود لأكثر من 21 سنة فاض بالكثير من الحكايات والقصص التي حملت تناقضات كثيرة بين حكايات عن مغامرات شائقة تعكس شغفه وحبه للطيران والتحليق، وبين قصص مرعبة لحوادث جوية تعرض لها أثناء فترة تدريبة وخلال طلعاته العسكرية.
بداية التحليق
حريق في الجو
قال أحمد النقبي ان «طائرة «الهوكر هنتر» كثيرة الأعطال، وقد مررت بتجارب كثيرة معها، منها، عندما كنت أقودها في إحدى رحلات المراقبة الجوية، نشب حريق في قمرة القيادة، وكان الدخان كثيفاً لدرجة انه حجب الرؤية عني، وكنت حينها أطير بسرعة 200 عقدة، فلم يكن أمامي سوى فتح الزجاج المغطي للقمرة ليخرج الدخان وأتمكن من السيطرة على الطائرة من جديد والخروج بها سليمة دون أضرار، وبعد اجراء الهبوط الموفق تبين أن كابلات كهربائية كانت وراء هذا الحريق. يعمل النقبي اليوم منذ ان تقاعد برتبة مقدم ركن طيار في 1991 بعد 1000 ساعة طيران و19 سنة من التحليق، في مجال الأعمال الحرة، إلا أن شغف التحليق مازال يراوده. هبوط أول طائرة احتفلت إدارة المتاحف في الشارقة، أخيراً، بمرور 80 عاماً على هبوط أول طائرة على أرض الإمارات، في مطار الشارقة، وذلك في الخامس من أكتوبر عام ،1932 وسلطت الضوء في الاحتفال على أهمية متحف المحطة كأول مطار يفتتح في الدولة. وسلطت إدارة المتاحف التي نظمت الاحتفالية في متحف «المحطة»، الضوء على تاريخ وأهمية المتحف، والطائرة القابعة ضمن مقتنيات المتحف الذي يعد أول مطار في الإمارات، وذلك قبل صدور توجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتحويل المطار إلى متحف. ومن أبرز مقتنيات ومعروضات المتحف طائرة الشحن «كوميت»، وهي أول الطائرات التجارية النفاثة في العالم، وقد بدأت في تقديم خدمة نقل الركاب في مايو عام .1952 واعتبر أحمد النقبي أن «الاحتفال بالذكرى الـ80 لهبوط أول طائرة في الإمارات،أله قيمة مضاعفة لدي، فهو مصدر ذكرياتي كأول طيار عسكري في الشارقة وثالث طيار مقاتل على مستوى الإمارات». |
قال النقبي الذي فضل أن يتم اللقاء به في متحف المحطة في الشارقة، لما له من ذكريات ومعزة خاصة في قلبه، «تلقيت تعليمي في الكويت التي انتقلت إليها مع اسرتي، إذ كان والدي حينها يعمل في التجارة، وبمجرد أن انتهيت من المدرسة كنت أحلم بمتابعة دراستي الجامعية والالتحاق بكلية الحقوق، خصوصاً أني حلمت أن أصبح محامياً، إلا أن والدي الذي له الفضل فيما انا عليه الآن، طلب مني الالتحاق بالكلية العسكرية».
وتحقيقاً لرغبة والده، في عام 1972 التحق النقبي بالكلية العسكرية في الكويت، خصوصاً أنه حصل على منحة خاصة من حاكم الشارقة لمواصلة تعليمه في المجال العسكري، إلا أن النقبي ابتسم له الحظ، وان كان مصادفة عندما خير في الكلية العسكرية بين التدريب في المجال البري أو الجوي، فاختار الطيران، لأنه سمع من مجموعة أجانب كانوا يشرفون على تدريبهم بأنه يمكن لطيار أن ينزل للعمل في البرية، لكن يصعب أن يحصل العكس، وكان الاماراتي الوحيد بين مجموعة من الكويتيين الذن يتدربون في السلاح الجوي.
وأوضح النقبي أنه في السنة الأولى في الكلية تدرب تدريباً عسكرياً ثم انتقل إلى سلاح الطيران، وكان عدد المتقدمين من المتدربين لا يتجاوز الـ20 متدرباً، تخرج منهم ثمانية فقط، أما البقية فبعضهم لم يجتز الفحوص الطبية الصارمة الأولى التي تجرى في الكويت، فيما آخرون لم يجتازوا الفحوص الطبية التي جرت في قبرص، فيما لم يتحمل بعضهم الآخر أمراض الطيران، إذ كان يشترط سابقاً في الملتحق لسلاح الطيار ألا يتجاوز طوله 165 سم، ووزنه لا يتجاوز 60 كيلوغراماً، كما يفترض أن يكون خالياً من عدد من الأمراض منها التهاب الجيوب الانفية، وأمراض الأنف، والأذن والحنجرة، إضافة إلى أن يمتاز بسمع جيد وبصر لا يقل عن ست على ست، ناهيك عن البنية الجسمانية الصحية.
طيار محترف
بعد 200 ساعة من الطيران والتدريب لمدة سنتين، تخرج النقبي في مايو ،1974 وعاد إلى الإمارات ليلتحق بقوات الدفاع الجوي في أبوظبي برتبة ملازم طيار، في بداياته كان يطير بوساطة طائرة نفاثة بعدها صار يتدرج من خلال الدورات التدريبية المتقدمة في 1981 التي أهلته لقيادة طائرات مقاتلة، منها «الميراج» الاستطلاعية والـ«جي 91» المقاتلة، التي تدرب عليها في إيطاليا وفرنسا، ودورة خاصة في أميركا يمكنها أن تعادل شهادة الماجستير، فالطائرة «الهوكر هنتر» كانت أقل من سرعة الصوت، أما «الميراج» فكانت تمتاز بسرعة تفوق الصوت بمرتين، إضافة إلى المهام الهجومية التي تمتاز بها، والتي تساعد على تأدية المهام المكلف بها.
وحول المهام التي كان ينفذها، قال النقبي، إن«هناك الكثير من المهام التي كنا كطيارين مقاتلين ننفذها، منها حماية الحدود، والطلعات الأمنية والرقابية، من خلال سرب الطائرات التي قد لا تزيد على خمسة طيارين، إضافة إلى المشاركة في الأحداث،على سبيل المثال الحروب، عمل الطيار سهل جداً، إلا أنك لا تتوقع ما قد يحصل لك أثناء الطيران، لاسيما أن الطيار يكون وحيداً في الطائرة، فهو الملاح والقائد والمراقب الجوي، وعليه التفاعل مع الحالات الطارئة التي تحدث له».
حوادث جوية
«الطيار لا يتعلم إلا من أخطائه»، هكذا برر النقبي تمالك أعصابه عندما يتعرض لحادث جوي طارئ، إلا ان بعضها قد ينتهي بمأساة حقيقية، إذا لم يتمكن الطيار من اتخاذ القرار المناسب في أقل من ثوانٍ معدودة، منها عندما كان النقبي يؤدي حركات بهلوانية أول تخرجه، لم يتمكن من السيطرة على الطائرة التي هوت من على ارتفاع يفوق الـ24 ألف قدم، إلا انه لم يرتعب من هول الموقف، بل ضبط أعصابه، واستطاع أن يعيد اتزان الطائرة التي أوشكت على الارتطام بالأرض.
ومن اخطر الحوادث التي تجاوزها، النقبي، أنه أثناء الهبوط في المدرج امتنعت العجلة اليمنى عن تلبية امر النزول وبقيت محشورة في مكانها، وكان على النقبي الهبوط بعجلتين فقط، إلا أن الطائرة كان تحمل كميات كبيرة من الوقود الاحتياطي في خزانات الوقود، «لم أستطع المجازفة فأجريت التفافاً سريعاً على المطار، ونتيجة لقوة هذا الالتفاف تتحررت العجلة، الأمر الذي أثبت نجاحه».